اقتصاد

فككوا صندوق «المركزي» الأسود

| علي نزار الآغا 

للأسف.. خسرت الليرة السورية نحو 92% من قيمتها أمام الدولار الأميركي، إذ ارتفع سعر صرف الدولار أمام الليرة بأكثر من 12 ضعفاً على مدار سنوات الحرب الدامية على سورية، ولا يزال صندوق المصرف المركزي «الأسود» خارج دائرة الاهتمام الرسمي، إما لجهالة الكثير من أعضاء الحكومة بالسياسة النقدية وعلاقتها بمستوى الفقر، أو لدخول بعضهم في شراكات مع كبار المضاربين بالدولار، لأسباب ربحية أو غير ذلك، أو لعدم قدرة البعض على الخوض في غمار السياسة النقدية والتدقيق فيها، لأسباب مرتبطة بالصلاحيات الفعلية والعواقب الوخيمة.. أو لخلطة عجيبة من كل تلك العوامل.
اليوم، وقد أصبح وسطي دخل الموظف أقل من 50 دولاراً فقط، أصبح لزاماً على الحكومة أن تفكك صندوق المركزي الأسود بحثاً عن الأسباب الحقيقية، والمخفية، المسؤولة عن انخفاض قيمة الليرة، في الوقت الذي تتحسن فيه كل مؤشرات الاقتصاد والسياسة والميدان العسكري، وهذه الـ«لزاماً» تعني حالة طوارئ نقدية، اليوم قبل الغد، وبأقصى درجات المسؤولية.
وللمساعدة، نقدم لرئاسة الحكومة بعض كلمات السرّ، التي ترشدها في الغور بملفات الصندوق الأسود الذي يمثل تسجيلات كل عمليات المصرف المركزي، والتي ساهم بعضها بانخفاض قيمة الليرة السورية، أولها، شركات الصرافة المرخصة التي تملك حصرية بيع دولار التدخل للتجار بملايين الدولارات يومياً، فما سبب هذه الحصرية يا ترى؟ علماً بوجود أحاديث كثيرة في السوق بعضها قد يمتلك معلومات صحيحة يجب على الحكومة التوقف عندها ملياً في هذا الخصوص.
بعض تلك الشركات أغلقت منذ فترة وتم توقيف أحد مديريها لدى الجهات المختصة، وأجري تحقيق موسع معه، في حين توارى بقية المديرين عن الأنظار، وأغلقت معظم جوالاتهم، وكان من المفترض أن يحول الملف إلى المحكمة، لكننا فشلنا في الحصول على أي معلومة من القضاء، وكأن الملف اختفى، ثم استأنفت تلك الشركة نشاطها المكثف وكأن شيئاً لم يحدث.. فكيف تجري الأمور في هذه المخالفات؟ ومن المتحكمون الحقيقيون بملفات شركات الصرافة المخالفة؟ وعلى أي أساس يطلق سراحهم ويستأنفون نشاطهم؟ وما الأسباب الحقيقية وراء إغلاق شركات دون غيرها أحياناً؟ هل هناك مخالفات حقيقية، أم صراعات بين كبار الملاّك وتصفية حسابات؟
ماذا استفادت الدولة من عمليات التدخل التي أعلن عنها سابقاً في لبنان؟ وهل كان التدخل حجة لتغطية تهريب الدولار خارج البلد، لأن الدولار واصل ارتفاعه بتسارعات مختلفة منذ تلك الخطوة؟ أما كانت خطوة جادة لتخفيض الدولار في الخارج وسحب الليرة السورية، لكن تم استغلالها من البعض لتغطية عمليات التهريب؟ ومن يقوم بعمليات التهريب في حال كانت موجودة بالفعل؟ ومن يراقب السيارات التي تنقل الدولارات إلى لبنان؟ وهل هناك وثائق مرور مزورة لتلك السيارات؟
الشركات الوهمية، وطلبات الاستيراد الوهمية، والشهادات الجمركية المزورة.. ألا تشكل طريقة ميسرة ومضمونة لسرقة دولارات الاحتياطي النقدي من المضاربين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم تجار؟ وهل جميع المستوردين هم تجار فعليون، أم بعضهم شغيلة لدى بعض شركات الصرافة أو بعض المضاربين الكبار، يتم استخراج سجلات تجارية لهم، وطلبيات وفواتير مزورة بهدف الحصول على التمويل بالدولار بسعر منافس بقصد المضاربة فيه أو تهريبه خارج البلد؟
كل هذه الشكوك، وغيرها الكثير من ملفات التلاعب، يمكن كشف خيوطها بتفكيك صندوق المركزي الأسود، والبحث والتدقيق في عملياته اليومية، وكشف جودتها وصحتها، وبعد كشف عمليات التزوير والتلاعب وحلحلة الخيوط المتشابكة لمافيات الدولار يمكن عندها الحديث بشكل جدي عن ضبط سوق الصرف، وفتح صفحة جديدة مع السلطات النقدية أساسها الثقة، وليس الشك، فضعف الثقة يمثل الحاضن الأساسي لنمو أي عمليات مضاربة وتلاعب بالعملة الوطنية، وآليات ذلك تعرفها السلطات النقدية جيداً على اعتبار أنهم فنيّون.

هامش نقدي:
البيانات التي يرسلها مصرف سورية المركزي بشكل شبه يومي لوسائل الإعلام لا ترتقي لمستوى الخبرة الفنية للمصرف، ومعظمها مكرر وتبريري بسيط وخاصة عندما ينقل المركزي عن لسان مصادر في السوق!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن