كوابيس يومية!
| عصام داري
نعيش كثيراً في الماضي ليس فقط لأننا نعتبره الزمن الجميل، بل لأننا نهرب من حاضر مؤلم صارت الكوابيس بالنسبة له مجرد مزحة.
نحاول اختراع مساحة للأمل والتفاؤل، ونرسم لوحة فرح بألوان زاهية صناعية، لكن نكتشف أن كل الألوان تتحول تلقائياً إلى اللون الأسود، وفي أحسن الأحوال يطل اللون الرمادي كجائزة ترضية، ما دامت الألوان ترفض الاحتفاظ بهويتها، وتفضل «الانشقاق» والابتعاد في خلفية اللوحة الكئيبة.
نتوق إلى لحظات الصبا والشباب عندما كان الفرح عنوان مشاويرنا، وكان الحب خيمة تظلل سهراتنا، وكانت الأزاهير أحلى، والموسيقا أعذب، والمياه تعزف لحناً ساحراً على أوتار الجداول، وكانت الحياة.
نفضّل الغرق في ذكريات الماضي الجميل على متابعة مسلسل الدمار المتواصل بلا انقطاع، ومراقبة دوائر النار التي تحيط بنا من كل جانب تحرق الأرواح منا قبل الأجساد، ويتربص بنا الموت في الأزقة وعلى كل المفارق.
إيماننا بأننا قادرون على تجاوز جبال الصعاب لا يتزعزع، لكن هناك من يمارس علينا الإرهاب من الداخل، ويعمل على تحطيم معنوياتنا، وتكسير مجاذيفنا ويتركنا وسط الأمواج العاتية، سواء عن قصد أو من دون قصد.
قلت أكثر من مرة إن الإرهاب ليس ذلك الوحش البشري الذي يستل سيفه وخنجره المسموم ليذبح البشر ويغتال الطفولة البريئة، وليس من يطوق خصره بزنار من نار وبارود، أو يقود سيارة مفخخة لتفجير يدفع بعشرات من أبناء الوطن نحو السماء ودخول سجل الشهداء، بل هو أيضاً ذلك التاجر الذي يرفع أسعار السلع الضرورية للمواطنين بشكل جنوني، أو يخزن البضائع ويرفض بيعها منتظراً ارتفاع العملة الصعبة (الدولار) ليبيعها بالسعر الجديد الذي يزيد من أرصدته في المصارف الغربية، ويزيد في جوع الفقراء والمساكين الذين صاروا يشكلون الأغلبية العظمى من السوريين الصابرين.
الإرهابيون قادرون على قتل العشرات، بل المئات من السوريين من خلال امتلاكهم أسلحة فتاكة ومتفجرات وقذائف وصواريخ، لكن من يحجب رغيف الخبز ويمارس الاحتكار ويرفع الأسعار لسرقة المواطن الذي لم يعد يملك ما يستحق البيع لشراء خبز أطفاله والأدوية التي حلقت مع الأسعار، يخون ويغتال شعباً بأكمله وكأن أحداً في هذا البلد لا يشعر بالحال التي وصل إليها السوريون.
أعرف أن هناك من سيرد علينا مباشرة، والإجابات جاهزة، إذ سيقول: لا تنسى أننا في حالة حرب وعلى المواطنين أن يصبروا ويقاتلوا لتحقيق النصر!.. وأنا أعرف ذلك تماما، وجوابي جاهز أيضاً: إذا كنا في حالة حرب وعلى المواطن أن يلعب دوره فيها، إلا أنني أريد تذكير أصحاب هذا التبرير الضعيف، بأن المواطن الجائع لا يقوى على حمل بندقية.
لا نظن أن المواطن سيقتنع بمبررات واهية، فهناك تفنيد لأي تبرير، وتستطيع السلطات المعنية وقف هذا التدهور الخطير الذي يعاني منه المواطن شريطة امتلاك الإرادة والرغبة الصادقة، ولدينا من الأمثلة ما يدحض أي كلام لا يستند إلى الواقع والموضوعية.
دفعتني هذه الكوابيس اليومية للخروج من شرنقة التفاؤل، إلى فضاء الواقع لأصرخ بأعلى الصوت: أغيثونا قبل أن نغرق أجمعين، فكلنا في سفينة واحدة، فهل هناك من يسمع النداء؟!.