ثقافة وفن

الحكاية!

| غسّان كامل ونّوس

الحكاية لمّا تنتهِ؛ متى بدأت؟ وكيف تمضي؟
هل هي تخصّني، ولم تكن لولاي؟ أم إنّي أنا الدخيل على مساراتها، التي تتنامى من دوني؟ أو كانت ستتّصل، حتى لو لم أتدخّل؛ ومن الذي أدخلني؟ وماذا كسبت من دخولي؟ أم إنّي خسرت، أو ما زلت أخسر باطّراد؟
وما دوري فيها؟ راوٍ؟ من خوّلني أو كلّفني؛ أوحى إليّ، أو أوهمني؟ ولماذا؟ ألِغاية في نفسه أم لغايات يريدها سواه أم هناك رواة آخرون مكلّفون بطريقتي نفسها أو بطرق مختلفة، ولأهداف مختلفة؟
الحكاية موجعة في أصلها وخطوها، وروايتها؛ لماذا لا أتوقّف عن ذلك؟ عن الانكباب في تفاصيلها، والانشغال بمتابعتها؛ كي لا يفوتني منها أمر، فأُلامُ على ذلك؛ كما أُلام على وجودي في متنها أو هامشها؛ مسؤولاً بشكل من الأشكال عمّا يجري، وإن كنت شاهداً، شيطاناً أخرس؛ لأنّني لا أوقفها، أو لا أحاول.. وهل أستطيع؟ ومن يستطيع؟ ولماذا تتوقّف؟ أمن أجل حكاية أخرى، رواة آخرين، أم من أجل صمت أو سكون أو موات؟
وهل أبدأ من جديد؟ هل أستطيع؟ وفي أي مسار أو ظرف أو اتّجاه؟
الحكايات.. هل هي متشابهة؟ والمشاركون، المتخاصمون، المتباينون والمتّفقون، المتسابقون، الصامتون، الساكتون؛ هل يتشابهون أو يختلفون، يتّفقون، يتقاتلون، فيتفانون؟ ومن الذي يبقى؟ الأقوى، الأخبث، الأكثر حيلة، الأكثر تحمّلاً؟ ومن الذي ستذكره الحكاية، سيشيد به الرواة، سيعجب به القرّاء؟
من الذي سيغدو رمزاً ومثالاً وأنموذجاً، يجب أن يحتذى به ولا يحتذى به؟
الضحيّة البريء الساكت الهادئ المكتفي الملتزم، أم القويّ البارع، المقاتل الضاجّ؟ ومن الذي يقوّم، أو يذكّر، أو يستذكر؟ من الذي يقوى على المواجهة، ليكون للحكاية معنى، وللحدث صداه، وللواقعة ظلّ وتاريخ؟ ربّما!
الأجمل أو الأخبث، الأكمل، أو الأكثر تطلّعاً، الظالم أو المتسامح، المستفيد أم المضحّي؟ ما الذي يجعل للحكاية فرصة أن تثار، وتُحكى، وتستمرّ، وتخلد؟ القاتل من دون قتيل، أم المضحّي من دون سفّاح؟ وإلى أيّهما تميل؟ أيّها الراوي غير العليم بأي شيء!
وماذا يمكن أن تُدعى؟ حكاية من؟ وماذا تسمّى؟ وهل يحقّ لك أن تسمّيها، ولست مسؤولاً عنها؟ ومن يمكن أن يدعوها؟ أن تسمّى باسمك معناه أنّك شهيدها؛ فهل أنت كذلك أم إنّك فارسها؟ فهل أنت كذلك؟
هل حاولت أن تكون فارساً، أو شهيداً، منتصراً أو فقيداً، أم تركت الحبل على غاربه، فصارت لسواك، وصرت من خسائرها المفهومة أو المقبولة أو المتوقّعة، أم حزتَ قصب السبق، وتُسلّم لسواك الكأس؛ لأنه القادر على تنظيم السباق، واستحضار المتسابقين والنظّارة والمصفّقين، ولولاه لم يكن لفوزك صدى؛ بل لم تكن جائزة، ولم يكن سباق؟ فمَن أحقّ بالتسمية إذاً؟
وإذا كنتَ غير قادر على أن يكون لك اسم فيها أو ذِكر، ليس كرقم في عداد المؤيّدين أو المعارضين أو الفاقدين أو الزاهدين، لماذا لا تبرحها وتمضي إلى حكاية أخرى، سبيل آخر، وروّاد وعبّاد وزهّاد، ينتظرون مخلّصاً، ستحاول أن تكونه؟
ليس المخلّصون جميعهم مخلِصين؛ هناك من أُرسل من أجل ذلك، وحاول، وهناك من أعجبته اللعبة، فدخل في صميمها، ونسي المهمّة! لو كان الأمر غير ذلك، لوصل الشخوص إلى خلاص، لانتهت الحكاية، أردتَ أم لم تُرِدْ. لكن لم ينتهِ الأمر، وما تزال المَداخل تستقبل رسائل بالمضمون عينه، وحاملوها لا يختلفون كثيراً، وكلّ منهم لديه القول عينه: أنا المخلّص، وليس لأحد سواي القدرة على فعل ما أفعل؛ يصدّق نفر، ويتوافد إليه مُريدون، ومحتاجون، وفضوليّون، وسماسرة؛ فيشغلونه عن مهمّته، وقد يرفعونه على الراحات، فيفرح بالصعود والمرجحة، والقول الحَسن، ويسكت عن القول الذي يقولون، ويقصّر عن الفعل الذي يواصلون، ولا يتغيّر أمر، أو يتحوّل حال، سوى الانتظار من جديد للمخلّص، الذي يستطيع أن يخلّص قبل أن ينتهي الأمل، وتموت الحكاية!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن