ثقافة وفن

الحكمة مكمن الفـرح

| د. اسكندر لوقا 

يبحث المرء دائماً عن وسيلة تساعده على التوازن بين ما يريد وما لا يمكن الوصول إليه إن هو أراد. حين تتوافر لدى المرء، عناصر التوازن في هذا السياق، فإنه يعي مكانه، وذلك على غرار من يهتدي إلى غايته في مدينة غريبة، بعد شيء من العناء.
إن معادلة كهذه في حياة الفرد، لا بد أن تمنحه فرصة للاستمتاع بحياته، فتبعد عنه بالتالي كل أنواع المنغصات التي يمكن أن تعكر مزاجه إن هو بقي يلهث وراء ما لا يمكنه الوصول إليه لأي من الأسباب أو الاعتبارات، ذاتية كانت أم موضوعيّة.
من هنا تتأتى أهمية أن يحتكم المرء إلى عقله لا إلى غرائزه، فبالحكمة وحدها يعثر على مبتغاه، وبالتالي يحظى بلحظات فرح وسرور لأن مكمن الفرح في الحكمة كما الفرح بحد ذاته مكمن الحكمة، وبالحكمة لا يضل المرء دربه.
فماذا عن الذين يعتقدون أنهم وحدهم مصدر المعرفة الشاملة ولا يقبلون الرأي الآخر وإن يكن رأيا موضوعيا بكل المقاييس؟ البعض من الناس يعتقدون أنهم المثل الذي يجب أن يحتذى به وذلك من باب الثقة بأنفسهم وذلك من منطلق إقناع أنفسهم بأنهم حقا مركز الكون وما عداهم مجرد كواكب تدور حوله. ومن هنا يكون السقوط عادة في خندق الغرور الذي لا يحد. ومن هنا أيضاً يكون ابتعاد الآخرين عن أصحاب الغرور، وخصوصاً عندما تعم هذه الحالة الأغلبية في إطار المجتمع الواحد وأحياناً في إطار الأسرة الواحدة.
إن من مبررات هذا السقوط في خندق الغرور هو جهل المرء ذاته بالدرجة الأولى واعتقاده أنه العارف بكل شيء من دون أي يكون لديه البرهان على ما يعتقد به. ومن هنا الضرر الذي يصيب كيان البلد أو المجتمع، لأن من تبعات هذا التجاهل المزيد من تباعد الناس بعضهم عن بعض. وغالباً ما يتفاقم هذا المرض في الأوقات التي تتطلب تضافر الجهود لبناء مجتمع سليم خال من وباء الـ«أنا» فقط وليس الآخر مهما يكن هذا الآخر.
يقول الفيلسوف الصيني القديم لاو تسو [604 ق.م – 535 ق. م ] – على سبيل المثال: «إن معرفة الغير هي حكمة. ولكن معرفة الذات هي حكمة أسمى».
فمتى تجاهل أحدنا من هو حوله كان كمن يدور حول ذاته ولا يعثر عليها. وفي الظرف الراهن الذي نحياه، نحن أحوج ما نكون إلى معرفة الذات قبل معرفة الآخر، وإن تكن هذه المعادلة تصلح لكل زمان ومكان من حيث المبدأ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن