ثقافة وفن

بدوية مصرّة على بداوتها في بيروت … نوال الحوار لـ«الوطن»: أنا صديقة عميقة للرجل… وضد أنصاف الشاعرات اللواتي زعمن أن دمشق تقمع المثقفين

| القسم الثقافي

نقرأ في شخصيّتها الكثير من التفاصيل المهمّة والجاذبة، ابنة البادية السوريّة «نوال الحوار» وكعادة السوريات هي شديدة الاعتزاز بنسبها وجذورها، وعلى المساحة الإعلاميّة أوجدت لنفسها الخصوصيّة ضمن أجواء الثقافة والشعر والفكر عربيّاً، وهي شاعرة غنيّة بتفاصيل الأنثى والحبّ، وفي رصيدها 3 دواوين من الشعر كان آخرها «تغريبة الغزالة»، وباقية اليوم في برنامجها «المنتدى الثقافي» الذي ترصد فيه غنى الامتداد العربي بالمثقفين والحركة الثقافيّة والفكريّة، وعنه تقول: «أفضل استضافة الشباب في برنامجي كثيراً، وأمنحهم المساحة المناسبة، وأفرح بهم وبنتاجهم، فبرنامجي أيضاً منبرٌ للمعتّم عليهم..».

بين التاريخ والأدب مسافة، فماذا قدّم التاريخ لنوال الأديبة والشاعرة والباحثة؟
أنا ابنة التاريخ، وابنة الماضي والأسطورة، فقد قدّم لي التاريخ كلّ ما يرضي دواخلي كإنسان تبحث دائماً، وتشتغل على القصة في التاريخ والتراث، وأنا عكس كلّ الشعراء الجدد الذين قطعوا العلاقة مع الأصول، فالتاريخ تعلّمت منه الكثير كالحكمة، والصبر، والاطلاع على كلّ تفاصيل الحياة الداخليّة للشعوب، وحياتها، وتقاليدها، وألبستها، وقصص الحبّ خاصّتها، والثأر، فالتاريخ قدّم لي حياة كاملة من خلالها أشرفتُ على الأدب.

ماذا يميّز دراساتك وشعرك واختياراتك عمّن لم يدرس التاريخ؟
يقولون عن شعري إنّه شعر الصورة، وفي ديوان «القطا في مهبّ العطش»: يقف القارئ على صور وحكايا بابليّة، وكرديّة، وبدويّة، كلّها نتيجة لهذا التاريخ الذي منحني ميّزة هي العمل على نص عميق المعرفة القديمة لحضاراتنا، فلولا القراءة العميقة للتاريخ لما جاء نص «حلم ليلتين» الذي سميته النص الأسطوري.

جئتِ الإعلام والأدب والتاريخ، فأيّ منهما الأهمّ لكِ؟
الثلاثة مهمّون، والأهمّ من بينهم هو الإعلام، أمّا التاريخ فأحببته وشغفت بعوالمه، لكني لست مؤرخة، فهو للمعرفة والمتعة، وبالنسبة للشعر هو الشيء الداخلي المغروس فيي ولا أستطيع الخروج منه، فأرى الدنيا بعين الشاعرة، وأعيش الحياة بنفَسِ الإعلام، فهنا يكمن السؤال المفتوح ومحبّة الإضاءة على كلّ شيء ومعرفة كلّ شيء بين الظاهر والماورائيات، فالتراتبيّة إذاً هي للإعلام، فالشعر، فالتاريخ.
سُئلت سابقاً لماذا لم أتوجّه إلى التعليم بعد إنهاء دراستي الجامعيّة فكانت إجابتي دائماً هي: إنني لست شخصيّة أكاديميّة بل شخصيّتي لها علاقة بالشعر والإعلام، ويظهر ذلك جليّاً من خلال لغتي، ومعارفي، وكمّ الصداقات الهائل التي كوّنتها عبر العالم العربي.

هل أحببت الإعلام لأنه يضيء لك بالمعرفة أم لأنه يضيء عليكِ؟
المرأة تحبّ من يضيء عليها، فأنا أحبّ هذا الضوء والإجابة بـ«لا» تعني أنني متنكرة لأنوثتي، وأحبّه من ناحية أخرى لأنه يعلمني حرفة السؤال، وهي مسألة ليست بالسهلة، ولا يمكن لأي كان تعلّمها، فقد عملت في عدد من القنوات العربية وصولاً لـ9 سنوات في قناة (anb) وأعمل على إعداد برنامجي دائماً، وفي قناة (mbc) قدّمت 4 حلقات فقط، وتركت البرنامج لأن البرنامج حمل معدّاً غيري، يتحكم بما أقول وبما سأتحدّث به! إضافة إلى أن الإعلام هو من المهنة التي تجرف الشخص، فلدى قراءة رواية أستمتع بها يولد لدي هاجس في لقاء من كتبها، وطرح مجموعة لا تنتهي من الأسئلة عليه، وكذلك على الشاعر وعلى المفكّر يقع الإحساس نفسه.

أيّهما أمتع لك الحوار الأدبي أم الفكري أم حوار القضايا؟
كلّها ممتعة، لكنني أتحزّب للجنس الأدبي أكثر، فعندما أحاور كاتب قصّة أو روائياً أو شاعراً أزداد انسجاماً. وفي حوار القضايا يبقى الحوار ساخناً، ففي كلّ سؤالٍ لدينا مجموعة من الأسئلة والأبواب المتجددة التي تولد.

أليس الأخير أكثر إمتاعاً؟
لا أعتقد لأن الأدب أتذوقه أكثر فعندما أصغي للحرف أستلذ به.

كم مرة وقعت في مطبّ الندم على لقاء شخصيّات أدبيّة حاورتها في برنامجك؟ فكانت من بعيد شيئاً ومن قريب شيئاً آخر؟
كثيرٌ من هذه الشخصيّات التقيتها، وأذكر منهم «محمد عابد الجابري» الذي فجعني، و«كمال عبد اللطيف» أيضاً، وبعضاً من الشعراء، وكذلك «الطيب الصالح» الذي يصل إلى نقطة في عدم الحديث، على الرغم من تاريخه الروائي الكبير!

هل شغفك بالمحاورة جعلك تلتقين من يمنحك «زوادة» جديدة بعد اللقاء والمحاورة؟
نعم هناك كثير من الأمثلة، ومنهم أذكر «حسن العلوي» الذي استضفته في ذكرى وفاة «الجواهري»، فكان أكثر من ممتاز، وكذلك السيد «حسين فضل الله» وكنت آخر من حاوره وفي حلقتين، وأذكر أنني خرجت برؤية جديدة للإسلام بسببه.

مَن مِن الشعراء تجدينه قريباً منك في شعره أو حميماً لك؟
الشاعر «فواز عيد» الذي توفي بطريقة مأساويّة في السعودية، وأحب شعر «السيّاب» وأغار منه، وقد تعذبت لدى رؤيتي لصورته فترة من الزمن بعد أن تعلّقت بشعره، فقد كان فتى أحلامي وفُجعت بصورته فعلاً، وعاتبت السيدة «لميعة عبّاس» زوجته كيف أحبّته؟! فأجابتني: هو من أحبّني أنا لم أحبّه!

وعن عبد الرزاق عبد الواحد؟
عرفته في موريتانيا وأهداني ديوانه «في مواسم التعب» وكان يقطن دمشق، وقال لي مقولة لا أنساها فقال: تألّمت كثيراً بسبب سقوط بغداد لكن الحمد اللـه لأن في الحياة دمشق. وعند هذه النقطة أريد أن أقف فقد تحدّث إليّ البارحة «كوكب حمزة» من الدانمارك ليقول لي: أخاف ألا يكون قبري في دمشق. نعم إلى هذا الحدّ الناس تحبّ الشام.

تتكون شخصيتك من ثلاث: العلاقة مع التاريخ، ونبوءة الشعر، والعمل الإعلامي، وهذا هو الظاهر لنا، فكيف تنمين هذه الزوايا بشكل لا يطغى أحدها على الآخر؟
التاريخ ليس من أساسياتي فكان العلم الذي حصدته من الجامعة لكني لم أتخصص فيه، ولم أعمل كباحثة وأنا أقرأ كأيّ قارئ ولذلك لا تأخذ من وقتي الكثير اليوم، في حين الشعر وقته الأكثر يكون في التأمل حتى تظهر فكرة القصيدة، وليس الوقت في كتابتها، ولهذا السبب أقرأ كثيراً بالإضافة للقراءة من أجل العمل الإعلامي، وبسبب برنامجي «المنتدى الثقافي» أعمل يوميّاً على قراءة الصفحات الثقافيّة في الوطن العربي ومنها صحيفة «الوطن».

هذا الظاهر، ولدينا رغبة في معرفة الباطن من الشخصيّة؟
تمنيّت أن أكون أمّاً لكني عاشقة دائمة، ومُحبّة للحياة، وأمنح نفسي مساحةً لأعيش كأنثى، وأعيش حياتي مطمئنة، ومبادرة وإيجابيّة، ولأني شاعرة أمتلك قلباً مقسوماً إلى قسمين الأول هو لعاشقة مستمرة والآخر هو لطفلة مستمرة.

كيف تصفين لنا الأنثى في شخصيّتك؟
الأنثى طاغية على شخصيّتي أكثر، وجريئة، ولا أؤمن بالمحاذير والتابوهات، وأصوّب نحو رؤيتي واتجه نحوها، وأحياناً المجتمع يفرض علينا شروطه، فمثلاً والدي توفي ولم يعرف بأن لدي ديواناً شعرياً بعنوان «القطا في مهب العطش» وذلك بسبب وجود أكثر من نصّ لن ينسجم معه، وحملت خطوطاً بالنسبة له لا تتوافق مع الذهنيّة. فأنا ابنة رجل وشيخ عشيرة ولهذا اعتباراته في المجتمع.

هل الشعر هو صورة لنوال؟
ليس صورتي دائماً إنما هو وجه من أوجهي.

عندما يخاف المبدع من نصّه أمام المقربين فهو يعلم في قرارة نفسه أنه يخاف من شخصيّته؟
طبعاً، فنص «حلم ليلتين» هو تجربة مررت بها وسكبتها على الورق، وأن لم أخف من التجربة، ولكني خفت من سؤال لماذا تكتبين هذا؟ فأنا من قبيلة «طي» ولست من الغرب، ولو عشت في بيروت! فأنا ابنة القامشلي، وما يزال ارتباطي بجذوري قائماً، ولن يسمح لي والدي بالكتابة عن أنثى، بل ينتظر مني الكتابة عن فلسطين مثلاً، فهذه التركيبة التي يرسمها الأب لدينا، فهو يرسم صورة لابنه كما يشتهي وليس كما يتمنى الطفل.

متى تفاعل الجمهور أكثر مع النص الذي تكتبينه، هل مع الحقيقي منه أو مع المتخيل منه؟
الجمهور يذهب إلى الحقيقي من النص وليس مع المتخيّل، لكن من الممكن أن أكون قد كتبت النص على أنه حقيقة لكن الجمهور يأخذه على أنه متخيّل، والعكس صحيح أيضاً.

كتبت عملاً موسوعياً مهماً «موسوعة الشعر العربي في الثورة الجزائريّة» فما الدافع لكتابة مثل هذا العمل؟
أنشأت شركة مساهمة في الجزائر مع «محمد شمص» منذ أيام الجزائر عاصمة للثقافة العربيّة، وطرحت مجموعة من الأفكار حينها ومن ضمنها «موسوعة الشعر العربي في الثورة الجزائريّة»، وهي تحوي كلّ ما قيل في الشعر العربي عن الثورة الجزائريّة، وأخذ مدّة عامين من العمل والجهد المبذول. وأذكر أن صحيفة «الوطن» كتبت ملاحظتها حول الموسوعة في عدم ذكري للشاعر «نزار قباني» ودوره الأساسي مع الشاعرة «جميلة أبو حيرد» بقلم الدكتور «إسماعيل مروة». وتقبلت الملاحظة بمحبّة فلا عمل مكتملاً مطلقاً، وهو عمل مناسبات ومن الطبيعي أن يغفل فيه عن بعض القضايا.

أيّهما أجمل لحظة عشق أم لحظة نجاح ولماذا؟
لحظة العشق هي الأجمل، لأنّها قليلة في حين النجاح كثير. فبالنسبة لي لحظة العشق نادرة في حين المجالات الأخرى كثيرة، فكنت ناجحة فيها، وما زلت.

«النوستالجيا» حاضرة في شخصيّتك، فهل هذا مقصود؟
لا، هو جزء من شخصيّتي، فحتى في الجامعة كنت أرتدي الثوب البدوي، ويسمّونني الفتاة القادمة من بادية الشام، وأحبّ تراثي وهو من صنعني ووالدي «عليّان» الذي عزف الربابة ولديه مضيف مفتوح لكلّ الناس، ولولا هذه الأجواء لا أعتقد أنني سأمتلك القلب نفسه والروح المفتوحة على العالم والمشتركة معهم، ومع مرور 16 سنة أمضيتها في لبنان لم أتمكن من إجادة اللهجة اللبنانيّة ولن أنشغل في تقليدها، وقد غيرت ملابسي وطريقة ارتدائها لأن ارتداء ثوب الفلكلور جعلني عرضة لأسئلة كثيرة أنا في غنى عنها، أمّا من الداخل فأنا أشبه قريتي في القامشلي، وفي كتابتي تظهر «النوستالجيا» أيضاً فكتبت عن «الترحال والعشق» وعن «العائلة» ومواضيع كثيرة.

حدثينا عن الغزالة في ديوان «تغريبة الغزالة»؟
هي الأخت التي تغرّبت في زواجها وهي صغيرة إلى نجد وعاشت في السعودية، وماتت هناك، ودُفنت كرقمٍ كما التقليد الوهابي هناك، وقد اعتدنا أن نكون أولاد المكان، والأطلال، فنقف على أثر الأسلاف ونستذكر، في حين هناك كلّ هذه الأمور لا اعتبار لها، وفوق ذلك المرأة ممنوعة من زيارة القبور! وهذه هي التغريبة الحقيقيّة لأختي، فغربتها في الممات أشدّ إيلاماً من الغربة في الحياة.

ماذا تقولين لوالدك اليوم؟
أقول له: كتبت نصوصاً لسورية وكتبت نصوصاً في عمق الجرح وللوطن كما كنتَ تحبّ، وأعتذر له لأنني لم أتمكن من تحقيق رغبة أرادها.

كاتبات الموجة الجديدة يُغرقن في الكتابة عن الجنس والعداء للرجل، على العكس من كاتبات مثل «غادة السمّان» و«كوليت خوري» العاشقات، فأنت كامرأة كيف تخاطبين الرجل كرمز؟
لا عداء لدي معه أولاً، فأنا صديقة عميقة للرجل، وهو موجود في حياتي كحبيب، وصديق، والرجل أكثر فهماً، ووعياً، وقراءةً، من قراءة المرأة للمرأة، التي تحمل غيرة ونقائص وأمراضاً، فالرجل لدي في مكانة عالية، ومحفوظة، ومقدّسة، ومحترمة، ولا شعور عدائياً معه، حتى الذي طعن بي، وحتى الذي كان موجوداً وغادر، ومع مرور الزمن أصبحت أكثر فهماً، وألتمس العذر للرجل، وأُحمّل نفسي المسؤوليّة.

ركبت بعض الكاتبات موجتين الأولى في المعارضة، والثانية في التطرق لموضوع المحرم والمقدس، فما رأيك بهنّ؟
أنا ضدّ المشروعين، وضدّ اللواتي خرجن من البلد، وهن لا يكدن يملكن كتاباً أو يتصفن بربع شاعرة؛ ليصنعن من أنفسهن حالة ثقافيّة ويزعمن الادعاء بأن سورية تقمع المثقفين، ومنهن «مها حسن»، و«سمر يزبك» وغيرهنّ كثيرات.

هل ستحاوريهن كإعلاميّة في برنامجك؟
لا، مستحيل، حتى لو كانت المغريات أن أصوّر الحلقة في أهم دار أوبرا. فالمبدع يظهر ولا داعي للاختباء وراء عناوين الحريّة كي نظهر وننشهر، ولذلك يقبلهن الغرب فهن سلعة ولسن أديبات أو شاعرات، وأنا شخصيّاً أمرض من هذا الأسلوب.

هل استنفد «المرصد الثقافي» أدواته؟
لا، ما دامت الحركة الثقافية حاضرة.

ما جديدك؟
لديّ كتاب جديد، ونصوص غير مكتملة، وأنجزت منها قسماً كبيراً، على مبدأ حكاية عن تجربتي في بيروت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن