انقلاب أنقرة الأبيض
| جميل مراد
لم يكتف أحمد داود أوغلو بالاستقالة من منصب رئاسة الوزراء بل استقال أيضاً من منصب رئيس حزب العدالة والتنمية واكتفى بالتصريح بأنه سيبقى نائباً في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية الذي يعتبر أوغلو من أهم مؤسسيه بعد إلغاء حزب الفضيلة الإسلامي عام 2001.
داود أوغلو الذي يعتبر فيلسوف حزب العدالة والتنمية وثعلب سياسته اختار أن يغادر قصر السلطان التركي بعد مسيرة مشتركة طويلة لعب فيها أوغلو دوراً محوريا في تثبيت أقدام أردوغان في الحكم. كان آخرها إدارته للمرحلة الانتقالية خلال المهلة القانونية لتشكيل الحكومة التركية والتي انتهت دون الوصول إلى حكومة ائتلافية مما دفع أردوغان إلى الذهاب نحو انتخابات برلمانية مبكرة كان من شأنها أن تعرض مستقبل حزبه السياسي للخطر.
خلال فترة الانتخابات كان أردوغان خارج المشهد تماماً تاركاً لداود أوغلو إدارة المرحلة بشكل كامل والتي أدارها ببراعة من خلال شبكة علاقاته المتعددة فتمكن من إحداث تحسن في الوضع الاقتصادي واستمالة بعض الأحزاب التركية القومية والابتعاد عن الحديث حول تغيير النظام الدستوري البرلماني إلى رئاسي. فانتهت الانتخابات بفوز العدالة والتنمية وتثبيت حكمهم لمرحلة قادمة.
ولكن ما إن هدأت العاصفة الانتخابية حتى عاد أردوغان إلى ممارساته السابقة مع رفيق دربه الذي أخذ نجمه بالصعود بعد نجاحه في عقد الاتفاق التاريخي مع الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين السوريين والذي من أبرز نقاطه حصول تركيا على ثلاثة مليارات يورو مقابل ضبط حدودها، إضافة إلى السماح للمواطنين الأتراك بدخول دول الاتحاد الأوروبي دون تأشيرات دخول.
حيث جدد أردوغان الدعوة إلى تعديل الدستور من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي إضافة إلى تدخله المباشر في عمل الحكومة التركية وتشكيلاتها، كما ترأس عدداً من اجتماعات الحكومة في قصره الرئاسي بدلا من مجلس الوزراء وهي إشارات يفهمها أوغلو جيداً.
كل هذه الإجراءات توجها أردوغان بدعوته اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية الموالية له للاجتماع مستغلاً غياب رئيس الحزب (داود أوغلو) الذي كان في زيارة دبلوماسية لدولة قطر في 29 نيسان 2016، واتخذت اللجنة قراراً بسحب صلاحية تعيين مديري فروع الحزب من رئيس الحزب وإعطائها إلى اللجنة المركزية.
في الخامس من أيار خرج داود أوغلو ليدعو حزبه إلى انتخاب رئيس جديد.
من يتابع عمل رجب طيب أردوغان يدرك أنه لن يقدم على خطوات كهذه دون أن يكون في جعبته بديل واحد على الأقل لداود أوغلو وقد ترددت في الأوساط المقربة من أردوغان عن وجود شرطين أساسيين على المرشح القبول بهما:
– أن يقبل العمل تحت جناح رجب أردوغان.
– أن يركز جهوده على إقرار الدستور الجديد الذي يؤمن الانتقال إلى النظام الرئاسي قبل عام 2019.
وبرزت عدة شخصيات مرشحة لخلافة داود أوغلو ممن تنطبق عليهم الشروط السابقة أبرزهم (بن علي يلدرم) وزير النقل و(بيرات البيرق) زوج ابنة أردوغان والذي يشغل منصب وزير الطاقة في الحكومة التركية الحالية.
لا يعتبر أحمد داود أوغلو الشريك الوحيد الذي تخلى عنه أردوغان فقبله تخلى عن عبد اللـه غول الرئيس التركي الأسبق وقطع علاقته بـفتح اللـه غولان الذي يتزعم حركة دينية تمتلك شبكة سياسية واقتصادية واسعة في المجتمع التركي.
هكذا يتخلص أردوغان من شركاء الأمس الذين أصبحوا أعباء على المستقبل ليكرس نهجاً سيذهب بتركيا نحو عثمانية جديدة تجتمع فيها السلطات بيد الرئيس السلطان.