ثقافة وفن

فنّ الحفر من أدق الفنون التشكيليّة التي برع فيها … «الخرز الناعم» ورحلة الفنان التشكيلي علي الخالد المعرفيّة والفنيّة

| عامر فؤاد عامر

«من المؤكد أن هذا العمل التشكيلي لم ينتهِ بعد، ولن ينتهي، إنه كالانشطار النووي الذي يفضي بنا إلى التلاشي في فضاءات الطاقة المتناهية، ولو تتابعت التجربة واستمرت فإن دوافعها منوطة بقوانينها الفيزيائيّة التي تبعث البهجة في النفس، ونهم البحث المستمر بنشوة كشف جديد في كلّ لحظة» هذا ما تحدّث به الفنان التشكيلي «علي الخالد» حول معرضه «الخرز الناعم» في حفل الافتتاح الذي أقيم في صالة الرواق العربي في قاعة «لؤي كيّالي».

معرض وكتاب
رافق المعرض توقيع كتاب «علي الخالد… الفنان الإنسان» من تأليف أ. «أنور الرحبي» الصادر عن وزارة الثقافة، الهيئة العامة السوريّة للكتاب، وفي هذا الكتاب بادرة تلقي الضوء وتعرّف على النتاج الفني لعلي الخالد على مراحل من حياته في صورة من التكريم والحفاوة به؛ لنقل تجربته الخاصّة بفنّ الحفر، فيمر أ. «أنور الرحبي» عبر صفحات الكتاب في لقاءاته مع الفنان «علي الخالد» منذ لقائه الأول به عام 1981 حيث كان معرضه الأول في صالة الشعب للفنون في دمشق، في مجموعة من الأعمال الغرافيكية المطبوعة بتقنيّات متعددة ومتنوّعة.

التجوال في عوالم الخالد
يُعنون الكاتب هذا الجزء من الكتاب بـ«المرحلة الأولى- تدمر» وفي هذه المرحلة كانت مواضيع الرسم تدور في المناظر الطبيعية والطبيعة الصامتة ورسم المزهريات وآثار تدمر، ويروي هذا القسم شيئاً من سيرته الذاتيّة والعلاقة مع أستاذه الفنان «لؤي كيّالي». إضافة إلى مرحلة الدراسة في كليّة الفنون الجميلة، وإشراف الأساتذة «فاتح المدرس»، و«إلياس زيّات»، و«محمود حمّاد»، و«ميلاد الشايب»، و«برهان كركوتلي»، و«عبد المنّان شمّا»، و«بيير غوتييه»، و«غيّاث الأخرس» عليه. وفي الكليّة درس في قسم الحفر والطباعة اليدويّة الذي يعتبر نفسه محظوظاً في دراسته، ومنح درجة الامتياز في مشروع التخرّج في تلك الفترة.

فترة الدراسة في باريس
يصف «الرحبي» في هذا الفصل مرحلة المنحة العلميّة والدراسيّة في باريس، التي كانت مدّتها خمس سنوات، وفيها تعرّف على الفنان والأستاذ «جورج داييز» الذي كان يعمل مع «بيكاسو»، و«سيلفادور دالي» في ورشات العمل الفنّي، وهو من كبار من عملوا في الرسم والطباعة الحجريّة في فرنسا. استفاد «الخالد» في هذه الدّراسة من التعرّف على مجموعة من التقانات في مجال الحفر كالطباعة المعدنية أو الخشبيّة، واللينوليوم، كما استفاد من الكثير من المعارف الجديدة في هذا المجال، كتنزيل صور الأشخاص بشكلٍ مباشر على سطح الحجر والتي اكتسبها من زملائه اليابانيين أثناء الدراسة. وفي نهاية هذه المرحلة عُيّن مدرساً في كليّة الفنون الجميلة في دمشق.

الإيفاد إلى إسبانيا
تقرر إيفاده إلى إسبانيا فيما بعد لإجراء بحثٍ علميّ لتعليم طريقة الرسم والطباعة على الصفائح المعدنيّة، مدة ستّة أشهر في مدينة برشلونة، ثم عاد بهذه المعرفة من جديد إلى سورية لمتابعة مسيرة التدريس في الكليّة.

أثر المطبوعة الملوّنة وبالأبيض والأسود
يُشير الكاتب هنا إلى أن معارض الفنان «علي الخالد» لم تكن استعراضاً لأعمال فنان يريد أن تشاهد أعماله الناس، بل كان يرافق المعرض أكثر من مئتي أداة، ووسيلة تعليميّة، وهذا ما ينطبق تماماً على معرض 1981 في صالة الشعب للفنون الجميلة. شارك الفنان الخالد في العديد من المعارض مع زملائه في باريس، والنمسا، وليون، واحتفظت المكتبة الوطنيّة في باريس بعدد من أعماله. في هذه المرحلة اجتهد الفنان «علي الخالد» بتقديم طبعات ملوّنة تكلفه جهداً كبيراً مقارنة بأعمال الأبيض والأسود.

امتدادات ثقافيّة
بيّن الكتاب في إشارة إلى تجربة الفنان، والتي ذكر فيها أن التقليد شيءٌ؛ والتأثّر شيءٌ آخر، وقد ذكر أ.«أنور الرحبي» في هذا الكتاب جزءاً من كلام خاصّ بالفنان «علي الخالد» ومنه اقتطفنا: «ما زلت أمارس هذا الفنّ، وهو نشاط إنسانيّ يعبّر عن حالة من حالات التوهّج الإنساني، وطاقة طبيعيّة تَستمد قدّرتها من حاضر الإنسان الفنان في التعبير عمّا يجيش في أعماقه من الرغبة بأن يبوح بشيءٍ ما».

الطباعة والطباعة الملوّنة
يوضح هذا القسم الصعوبة البالغة التي يعاني منها فنّ الحفر؛ من خلال تعامل الحفار مع المادّة اللونيّة وسواء كانت اللوحة الفنيّة بالأبيض والأسود أو بألوان متعدّدة، فكلّ لوحة تكلفه مزيداً من ساعات العمل، والاجتهاد، والمراقبة، والصبر، أمّا اليوم فقد وصلت التكنولوجيا إلى تطوير كبير في هذا المجال، فقدّمت للفنان أبواباً جديدة، وصار الحاسوب ينوب عن قلم الفنان، وخاماته، وأدواته، وأحباره، وآلات الطباعة، وتقدير المساحات، وإعداد النُسخ، وتماثلها، ودرجاتها اللوّنيّة، وسرعة طباعتها.

منجزات
يزيدنا الكتاب أيضاً عن مراحل خاصّة بالفنان «علي الخالد»، فألقى الضوء على إنتاج الطوابع البريديّة الملوّنة، وطابع اللصيقة القضائيّة المستخدمة حتى الآن في سورية، وتصميم بعض أغلفة الكتب، والأعمال الفسيفسائيّة والزيتيّة الكبيرة، وصور لنا عدداً كبيراً من لوحاته، استعرضها الكاتب بما يتناسب مع المراحل الزمنيّة التي تحدّث عنها، إضافة إلى ذكر بعض الشهادات والدراسات به، مثل ما كتبه الناقد التشكيلي «سعد القاسم» وشهادات خاصّة كشهادة «فاتح المدرس» به، و«جورج داييز»، و«إلياس زيّات»، و«محمود حمّاد»، و«نذير نبعة»، وبعض المقالات في بعض الصحف المحليّة، وصور من حياته الخاصّة، ومن أعماله بين عامي 1981 و2014، ويقول الباحث «محمد أحمد عيد» في تجربة «علي الخالد» والصور التي رسمها عن تدمر: «مساحات واسعة من الجمال تأخذ بلب الناظر إليها، وتروي قصّة نجاحٍ لا تنتهي لمهندس فنّ الحفر المعاصر في سورية (حفيد زنوبيا) الذي اكتسب مكانة مرموقة في عالم الفنّ لدقة أعماله، وسموّ أخلاقه، وسعة اطلاعه، وتنوّع معارفه، وتقاناته، وخفّة ظلّه، وحسن فنّه، واستحوذ على اهتمام زملائه وأساتذته؛ فحظي باحترامٍ شديد زاده التصاقاً بوطنه، وشكّل قارباً عبرت به أجيال من تلامذته، وحفر اسمه كأنموذجٍ للفنان السوري الناجح في ذاكرة الفنّ التشكيلي الخالد».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن