قطار العمر!
عصام داري:
يلومني بعض الأصدقاء والصديقات عندما تميل كتاباتي نحو التشاؤم والحزن، وربما الكآبة، يقولون إنهم يستمدون التفاؤل مما يخط قلمي، لأنني أمثل لهم فسحة أمل تحفزهم على التمسك بخيوط الرجاء والنظر بإيجابية للحياة على الرغم من كل الحاصل الآن.
نحن جميعاً بشر من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس، نحزن ونفرح، نبكي ونضحك، نغضب ونرضى، وطبعاً نتشاءم ونتفاءل، ليس علينا أن نسير على وتيرة واحدة لأن ذلك قد يؤدي إلى الجنون.
تذكرت قصة قصيرة للروائي الكبير نجيب محفوظ اسمها الرجل السعيد، قد تؤيد الفكرة التي أتحدث عنها.
يستيقظ بطل القصة صباحاً وهو يشعر ببوادر النشاط والسعادة المفرطة، يتعامل مع أفراد أسرته بفرح شديد، لكنه غريب لأنه يخالف عاداته، يتصالح مع الموظفين في مكان عمله، يمد يد الصداقة والحب للجميع.
باختصار أصبح الرجل سعيداً سعادة مفرطة، وهذا الأمر أدخله في دوامة من الريبة والحيرة ما دعاه إلى استشارة الأطباء، وفي المحصلة اللجوء لطبيب نفسي لتشخيص حالته المرضية.
هكذا تصبح السعادة مرضاً يتطلب العلاج، وهذه حالة شاذة لا يمكن أن تحدث، لكن نجيب محفوظ أراد أن يقول لنا إن الثبات على شيء واحد في الحياة، حتى وإن كان هذا الشيء هو السعادة، أمر من رابع المستحيلات، وإننا معرضون لجميع الأنواء البشرية ومتناقضات النفوس الإنسانية.
نحن نسير في هذه الحياة حاملين معنا جبالاً من الهموم والمشاكل التي تهد الجسد والروح، ومن المحال أن أكون متفائلاً على طول الخط، كما أنني لا أستطيع أن أحول كل أيامي ودقائق حياتي إلى حالة من التشاؤم والكآبة، فهذا هو المرض الحقيقي الذي يؤدي بأي إنسان إلى أعلى درجات الكآبة التي توصل في نهاية المطاف إلى مفترق طريق: يؤدي الفرع الأول إلى الجنون، ويؤدي الفرع الثاني إلى الانتحار.
في حالتنا الراهنة في بلدنا الذي يتعرض لأصعب اختبار ربما في التاريخ، لا يمكننا أن نعلن الفرح على الملأ ونغني ونرقص في وقت يجول فيه ملاك الموت في أرجاء وطن مستباح من الغيلان وشذاذ الآفاق، يساعدهم جيش من الفاسدين والمفسدين الذين نهبوا كل شيء وأحرقوا الأخضر واليابس.
ثم.. من غير المنطق أن نتقوقع ونحبس أنفسنا في شرنقة التشاؤم والحزن الكامل الأوصاف!! يجب أن نعيش أوقاتنا بما تمليه علينا إرادتنا، وليس بما تمليه الظروف فحسب، وغير ذلك هو نوع من الانتحار البطيء.
لا يمكننا مصادرة شلالات الورود وكسر المزهريات وتحطيم قوارير العطر، وليس بإمكاننا تحريم الحب والعشق وذبح المشاعر والأحاسيس، ومن غير المنطق إسكات معزوفة سحرية تخفف من آلام النفس والروح.
حياتنا توليفة مزركشة بكل الألوان، وتحتوي من هذا وذاك، لا تخلو من عبق العشق وغزل العيون الصامت الذي يقص أروع الروايات والحكايات، ومن حزن يرافق أيامنا ونحن نسير في قطار العمر الذي يطوي الفيافي والأعوام.