مازال لدينا فقر في التربية والوعي الموسيقي … إلهام أبو السعود لـ «الوطن»: حبي وارتباطي القوي بزوجي وغيرته وراء بُعْدي عن الموسيقار عبد الوهاب
| عامر العامر- سوسن صيداوي
نعومة أظافرها ورقة أصابعها وصغر حجم جسمها إضافة إلى أعوامها المعدودة لم تمنعها من احتضان العود إلى قلبها مصغية إلى نوتات درّبها عليها والدها كي تتبع مع سني عمرها القادمة إيقاعا رسم لها مستقبلاً ودرّجها بتسلسل مقامات كي تكون ملحنة سورية وحيدة وأول مايسترو عربية.
تعريف
إلهام أبو السعود من مواليد دمشق 1931، انتسبت لنقابة الفنانين في عام 1974، حصلت على دبلوم من المعهد العالي للتربية الموسيقية جامعة حلوان مصر في حزيران عام 1960 بدرجة جيد جدا، اشتركت في دورات موسيقية عديدة في ألمانيا والنمسا وهنغاريا ونالت شهادة بكل دورة، كما شاركت في أعمال المؤتمرات الموسيقية العربية، وقدمت بحثها الموسيقي عن أعمال الموسيقيين العالميين والموسيقيين العرب في العديد من المحاضرات كما قدمت مقالات ودراسات مختلفة عن أهم المؤلفات الموسيقية العالمية.
الداعم الموسيقي… والدها
كان للملحنة إلهام عدة إخوة وترّبت وكبرت في منزل موسيقي تصدح في أجوائه النوتات والنغمات الموسيقية التي كان والدها يعزفها على الكمان مرددا مع النغمة لفظ اسمها، الهام أبو السعود «والدي صاحب الفضل بتعليمي العزف وخصوصاً أنني الوحيدة في المنزل من كانت تحب تعلم الموسيقا بعكس إخوتي ما شجع أبي وثابر على تعليمي وكان يعزف الكمان وأنا العود وطبعا لم يسمح لي بالعزف إلا على التدوين الموسيقي أو النوتة ولم يرغب أبدا أن أعزف بطريقة سماعية أو أعزف أي قطعة إلا بعد أن أتقن التدوين الموسيقي وقراءة النوتة».
الداعم التعليمي… زوجها
الملحنة إلهام لم تكمل تعليمها في بيت أهلها بل تزوجت وأنجبت في سن مبكرة لكن هذا لم يمنعها من مواصلة التعليم وخصوصاً أن زوجها هو في هذه المرحلة الداعم لها بعد والدها، الهام أبو السعود «أخذت الثانوية عند زوجي وكان عمر ابني أربع سنين، حتى إنه ساعدني كثيراً في الدراسة وأحضر لي المدرسين وأمّن لي كل ما يلزم لإتمام دراستي كي أحصل على شهادة البكالوريا، وكنت قلت له بأنني لا أريد أن أدرس جامعة بل أريد أن أدرس في المعهد ووقتها لم يكن في سورية معاهد متوسطة، ولكن كانت هناك بعثات فقال لي ربما يكون من نصيبي أن أجد بعثة لأحد البلدان، وبالفعل كانت هناك بعثة إلى بريطانيا ونجحت بالامتحان ثم بعدها تم تحويل البعثة إلى فرنسا ولم أذهب وبعدها تم تحويلها إلى مصر فذهبت لأنها تناسبني وتناسب تفكير زوجي الذي كان في حقيقة الأمر والواقع رجلا منفتحا رغم فرق السن بيني وبينه والذي يفوق خمسة عشر عاماً وطبعا لم يكن الأمر سهلا في البداية على الإطلاق وخصوصاً أنني تقدمت كي أُقبل في البعثة لامتحان قبول وكان لم يبق سوى شهرين وكل الدروس بالعملي ولكني قلت للأستاذة المشرفة علي «رتيبة الحفني» التي فوجئت بي بعد أن عزفت لها ولم تتوقع مني ذلك بأنني سأبذل كل جهدي وكانت مرحلة متعبة جداً واستمرت البعثة أربع سنين وشهرين وكنا نتبادل الرسائل أنا وزوجي دائماً وكان دائم التشجيع لي».
زوجي… مثال النضوج الرجولي
بالرغم من فرق العمر بين الباحثة الموسيقية الهام وزوجها إلا أنه تمتّع بنضج كبير وشجعها على إكمال بعثتها الدراسية على الرغم من الزمن الطويل الذي استغرقته والمسافة الطويلة وصعوبات الشوق والفراق والوحدة طوال هذه المدة، استمر زوجها في تشجيعها، الملحنة الهام أبو السعود «لم يأت إلي في مصر إلا مرة واحدة حتى إنه لم يسألني أي سؤال واكتفى بالتجوال بالجامعة ورأى المنزل الذي أقيم فيه وبالتعرف إلى أصدقائي، ولكن في مرة من المرات كنا نحن طلاب الدفعة جالسين جميعاً ونغني وزميلنا يعزف على العود وأنا كنت جالسة بالقرب منه، ولكن أحد الأشخاص التقط لي وله صورة وأرسلها إلى زوجي بقصد خلق مشاكل بيننا، فعندما رأى الصورة أرسل لي بكلمتين فقط: «كيف كان ذلك؟»، فأرسلت له الصورة كاملة لي ولزملائي وأجبت «هكذا كان» ثم أرسل لي قائلا «عفا اللـه عمّا مضى»، لقد تميّز بمواقفه الرجولية والناضجة وبتفهمه الكبير هذا أمر لا يمكن إيجاده إلا في قلة ممن هم رجال، إنه مثال الرجل المتفهم وبتعليمي الموسيقا خلال البعثة في مصر تعب كثيراً لأنها كانت طويلة على حين فترات العطلة الصيفية والإجازات خلال العام الدراسي كانت تمر بسرعة».
حبي لزوجي أبعد عني محمد عبد الوهاب
لقد كان أمرا رائجا في سورية أن تعزف السيدات على آلة العود بعكس السيدات في مصر وعندما كانت الباحثة إلهام تُكمل بعثتها التقت الموسيقار محمد عبد الوهاب، إلهام أبو السعود «أرسل الموسيقار محمد عبد الوهاب طلب لقاء كل طلاب البعثة وخلال الزيارة طلب مني العزف على العود، شعرت بالخوف وكان هذا واضحاً إلا أنه طلب مني العزف مشجعا، وبالفعل عزفت له عدة مقاطع موسيقية وأثارت إعجابه لتمكُني من العزف على العود، وبعد فترة اتصل بي، وطبعا فاجأني اتصاله كثيراً، وقال إنه معجب بفني ولابد لنا من اللقاء كي نتحدث لأمر ضروري، لكني أجبته بأني أتيت إلى مصر كي أتعلم التربية الموسيقية ولا أريد أن أكون مطربة، لكنه أصر على طلبه رؤيتي كي أشرح له لكني لم أقم بمقابلته، وفي يوم تخرجي اتصل بي مرة أخرى، وقال إنه يريد رؤيتي لكني قلت له بأني سأعود إلى سورية في اليوم التالي، نعم… ندمت لأني لم أقابله وخاصة بعد زواجه من « نهلة قدسي» وهي قريبتي أخبرني برغبته في العمل معي ولكن للأسف ترددي وخوفي حالا دون ذلك »
موجهة أولى للتربية الموسيقية بالوزارة
تميزت الباحثة الموسيقية إلهام باهتمامها الشديد بالتربية الموسيقية لهذا اجتهدت على تأليف أكثر من خمسة عشر منهاجا جمعت فيه الموسيقا العربية والغربية، إلهام أبو السعود « لقد كنت الموجه الأول في سورية لمادة التربية الموسيقية لعدة سنين، ولم أكن متساهلة مع مدرسي هذه المادة وخصوصاً أنني لمست عند أغلبيتهم الإهمال وعدم الالتزام بالمنهاج ورأيت في الكثير منهم عدم الكفاءة وهذه الأمور وللأسف الشديد جعلت مستوى التربية الموسيقية ضعيفا ».
تعليم الموسيقا
في المدارس الحكومية مُهمَل
تعاني المدارس الحكومية الكثير من المشاكل التي تتعلق بالمواد غير الأساسية مثل الرسم والموسيقا وحتى الرياضة ويتم إهمالها وحرمان عدة صفوف منها بحجة إكمال المنهاج متغافلين إدارة ومدرسين أهميتها وضرورتها للتلاميذ، الباحثة الموسيقية إلهام «للأسف المدرسة غير مؤهلة والمسؤولية تقع على المدرسين والموجهين وعلى وزارة التربية فالمسؤولية على الجميع لتراجع مستوى الموسيقا في المدارس، فهناك فقر بالوعي بأهمية التربية الموسيقية لأنه من خلالها يمكن تعلّم جميع المواد فأنا شخصيا قدمت أغاني متعددة منها لتعليم الحروف ومنها لتعليم التلاميذ الجمع في مادة الرياضيات، كما أنني قدمت أغنية مخصصة للعلوم، إذاً، إدراج الموسيقا بالمناهج هو أمر ممكن كما أن الطفل يتفاعل مع الدرس أكثر ويحفظ المعلومة بسرعة وتتركز في عقله أكثر، وللأسف الشديد الأطفال في المدارس الحكومية لا يأخذون مقرر التربية الموسيقية وقلة قليلة من المدرسين من يقومون بتدريس المنهاج الموسيقي وطبعا هذا لأنه لا يوجد رقيب ولا حسيب».
تذوق الموسيقا… ضرورة
السائد في مجتمعاتنا العربية عدم الاهتمام بالموسيقا واعتبارها عند الشائع من الناس شيئاً لا قيمة له بل السعي لتعلمها أو حتى اقتناء آلة موسيقية في المنزل هو أمر لا فائدة منه بتاتا في الحياة، الباحثة الموسيقية إلهام أبو السعود توضح أهمية الموسيقا في الحياة والسلوك « الموسيقا مهمة جداً في حياتنا وخصوصاً أنها مساعد مهم جداً في تربية الأطفال لأنها تهذب نفس الطفل وتجعله قادرا على التعبير عن شعوره كما تبعث في بنفسه السرور والراحة وتعلمه الانضباط والانتظام وروح المشاركة وحسن السلوك مع الآخرين وخاصة عندما يكون الطفل في كورال ومع مجموعة من الأطفال أو مع فرقة عازفين من الأطفال، وبالنسبة لي أنا دائماً أعطي الأطفال بعض القطع الموسيقية كي يتذوقوها في المرتبة الأولى لأن هذا أمر مهم لإبعادهم عما يحيط بهم في الوقت الحالي من موسيقا هابطة وكي يستطيعوا التمييز بين الموسيقا الجيدة والأدنى مستوى، كما أنه لا يمكن أن نجبر جيل الشباب على سماع الأغاني القديمة فمن غير المعقول أن يسمع أحدنا أغنية يتكرر مقطعها لساعات طويلة، ولكن ما هو جيد ونافع في الوقت نفسه ما يقوم به البعض بإعادة توزيع لأغان طربية وتراثية ويتم عرضها بطريقة يستطيع الشباب تقبلها».
الأصوات السورية… مهمّشة
في سورية لدينا العديد من المعاهد التي تنتج سنويا مغنين وعازفين مهمين مثل المعهد العالي للموسيقا ومعهد صلحي الوادي ولكن اليوم الساحة لمن لا يتمتع بحس وثقافة موسيقية، الملحنة إلهام أبو السعود « لدينا الكثير من الأصوات السورية الجميلة والمهمة ولكنها لم تلق أي دعم وهذه مشكلة حقيقة نعانيها فلا أحد يعرفهم وهم بانتظار الفرصة كي يمارسوا أو يحترفوا الغناء ويصبحوا مشهورين، والأمر المزعج أننا نرى أن من في الساحة هم أشخاص لا يمكن حتى أن نقول عنهم: إنهم مغنون أو مطربون فهم بعيدون عن هذا كل البعد».
التلحين ليس بجمع الجمل وتركيبها
التلحين ليس أمراً سهلاً فالموضوع يحتاج إلى مثابرة وصبر هذا ما أوضحته الملحنة السورية الوحيدة إلهام أبو السعود « لا يجوز استسهال التلحين فكثير من الأوقات كان اللحن يعذبني ويمر وقت طويل حتى يأتي إلهامه وخاصة أنه كالإشارة، فمثلاً مرة كنت أحاول وضع لحن لأغنية للأطفال وتعذبت كثيراً وأنا أحاول وعندما ذهبت كي أطبخ، صوت المعالق مع صوت الطناجر وأنا، كشف لي عن إيقاع اللحن وذهبت مسرعة للبيانو فتسببت طبعاً بحرق الطبخة، إذاً التلحين أمر معقد وهو مغاير تماماً لما يقوم به بعض الملحنين بالوقت الحالي بجمع جمل موسيقية وتركيبها فهو يحتاج إلى ثقافة، وعلى الملحن معرفة أصول التلحين والإيقاع وكيف يمشي على العرض الموسيقي وهذا أمر لا يلتزم به الكثير ممن يقومون بالتلحين في الوقت الحالي».
حاضرة في مهرجان
الأغنية العربية في مصر
على مدى عدة سنين إلهام أبو السعود في لجنة التحكيم في مهرجان الأغنية العربية في مصر، إلهام أبو السعود « نحن كل عام وكلجنة تحكيم ندعو من خلال هذا المهرجان للاهتمام بالأغنية العربية ونبحث في سبل المحافظة على أصالتها والحد مما تتعرض له من هجمة نحو الانحدار والتردّي في المستوى على كل الصعد سواء من ناحية اللحن والكلام وحتى الأداء، وطبعاً نحن لسنا متحيزين للأغاني القديمة، فأغاني أم كلثوم لا يمكن للجميع تحمل سماع الأغنية كاملة، لهذا من الضروري التطور وتجديد الأغاني القديمة ولكن هذا ضمن إطار المحافظة على جوهر الأغنية الطربية القديمة، كما أنني في المهرجان أهتم دائماً بالطفل العربي موسيقياً وأدعو بأن تكون اللغة العربية هي الأساس في التأليف فهي جسر التفاهم بيننا وبين كل الأقطار العربية وخاصة بسبب اختلاف اللهجات، فاللغة العامية تضعف أغنية الطفولة وتجعلها تنحدر وللأسف هذا الأمر واضح في مصر».
ما دمت على قيد الحياة يعني
أني قادرة على العطاء والعمل
في الوقت الحالي إلهام أبو السعود تعمل أمينة تحرير مجلة الحياة الموسيقية الصادرة عن وزارة الثقافة، كما تنشر فيها العديد من المقالات المختصة بالتراث الموسيقي والتربية الموسيقية وغيرها من المواضيع، إلهام أبو السعود « في الوقت الحالي أستمتع بالبحث عن كل ما هو يتعلق بالموسيقا وما دمت على قيد الحياة سأكون مستمرة في عطائي وعملي، كما أنه على المرأة السورية دائماً أن تطمح للأفضل وألا تكتفي بكونها ربة منزل وأماً للأولاد، فعليها أن تتعلم دائماً وتكتسب كل ما هو جديد من مهارات وأن تكون طموحة وتدافع عن نفسها وتتثقف حتى تصبح شخصية فاعلة بالمجتمع، كما عليها أن تتحدى كل الظروف التي تحيط بها مهما كانت صعبة بل عليها أن تقوم بتطويعها وأن تكون قادرة على الموازنة بين بيتها وأمورها الأخرى، فلا يجوز أن تهمل أحدها على حساب الآخر».