ماذا عن عودة الحديث عن المناطق الآمنة في سورية؟
| صياح عزام
مؤخراً، زارت المستشارة الألمانية «ميركل» مخيمات اللاجئين السوريين المنتشرة على الحدود التركية- السورية، وروّجت من جديد لفكرة المناطق الآمنة، مُداعبة بذلك مُخيلة أردوغان ا لذي طالما سعى ولا يزال لوضع هذه الفكرة موضع التنفيذ من دون جدوى.. لكن الرد المباشر على مشروعها هذا أو فكرتها جاء من حليفها الأميركي عندما قال: «الفكرة جيدة ومقبولة من حيث المبدأ، إلا أنها غير قابلة للتحقيق على أرض الواقع، لأنها تتطلب قوات عسكرية على الأرض وقوات جوية لتوفير الحماية لها، وهذا غير متوافر، الآن ولا في المستقبل المنظور».
وكان أوباما على حق في هذا الجواب، ذلك أن فرض ما يسمى مناطق آمنة، يحتاج إلى قوات عسكرية برية وجوية وحتى بحرية.. علاوة على ذلك، فإنه سيفتح الباب لاحتمالات تحول حروب الوكالة الدائرة حالياً على سورية وعلى أرضها إلى إشعال فتيل حرب إقليمية، وصولاً إلى مواجهات بين الدول الكبرى.
وهذا ما تسعى مختلف الأطراف الكبرى الدولية لتفاديه بأي ثمن، رغم مساعي السعودية وتركيا إلى تحقيق هذه المواجهات بعد أن فشلتا في تحقيق أغراضها ولاسيما إسقاط الدولة السورية واقتطاع أجزاء من شمالها لمصلحة تركيا.
إن ردّ أوباما هذا على ميركل دفعها إلى اقتراح إجراء تعديل على مقترحها من خلال قولها بضرورة إدراج فكرة المناطق الآمنة في جدول أعمال محادثات جنيف بين الدولة السورية والمعارضة، على أمل الوصول إلى توافق سياسي بشأنها، يوفر – حسب زعمها- ملاذات آمنة للاجئين ويريح أوروبا والمنطقة من أعباء اللجوء السوري الذي بات عبئاً على الجميع كما ترى. إذاً الصورة تبدو مختلفة إلى حد ما، بمعنى أن ميركل ترى أن تتحول المناطق الآمنة
من فكرة تُفرض بقوة السلاح والنار على سورية وحلفائها إلى مشروعٍ «توافقي».
إن فكرة (ميركل) هذه لا تختلف إطلاقاً عن فكرة أردوغان، بل هي نسخة عنها ولكنها «مزوّقة» وحاملة لبعض الرتوش التجميلية، إنها نسخة طبق الأصل من حيث الشكل والأدوات، بل من حيث النيات الخبيثة التي تحملها ولاسيما المخاوف من الأهداف التركية التوسعية التي تشمل حلب وشمال سورية على اتساعه.
لا شك بأن موقف أوباما حيال مقترح «ميركل» التي تُعتبر أكبر حليف له، إن دل على شيء فإنما يدل على قناعة الرئيس الأميركي بأن سورية وحلفاءها لا يمكن أن يقبلوا بما يُسمى مناطق آمنة على الأرض السورية اليوم ولا غداً.
باختصار لم تتخلَّ تركيا عن مشروعها بإقامة مناطق عازلة ومناطق حظر جوي بأقصى الشمال السوري بزعم أو تحت ستار إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم وتوفير الحماية لهم. الولايات المتحدة الرافضة لهذا الأمر مبدئياً، قد تجد نفسها (مضطرة) لمنح هامش مناورة لأنقرة والسعودية لتجهيز الأرضية العسكرية والسياسية لهذه المناطق، ولاسيما أن هناك ضغوطاً قوية تُمارس على «أوباما» من بعض الجمهوريين للموافقة على مناقشة هذا الطرح التركي والطرح الألماني المُعدَّل (إن صح التعبير).
لاشك بأن هذا المسعى التركي المدعوم بأجندة خليجية وغربية سيصطدم بـ«لاءات روسية وإيرانية وصينية» لأنه يحتاج إلى قرار أممي لتمريره، بينما الفيتو الروسي- الصيني جاهز دائماً لإفشال مثل هذه الخيارات، كما أن سورية تمتلك قدرات تستطيع إسقاط مثل هذا المشروع والتصدي لأي تدخل خارجي مباشر أو غير مباشر في أراضيها.