غموض بنّاء!
| علي هاشم
ليس علينا استهجان الغياب اللافت لوزراء الفريق الاقتصادي عن جبهة المعركة النقدية، الأمر أشبه بطريق ضيق صنعته الحكومة يوماً وبات عليها استعماله دائماً.
بعد قرار منع الاستيراد الشهير نهاية 2011 وما تخلله من لغط، انكفأت المعركة الاقتصادية التي تخوضها الليرة إلى جبهتها النقدية المحضة، ومع الأيام، تحول الأمر إلى تقليد سوري فريد خلاصته: إن تراجع قيمة الليرة أمام الدولار يعني خللاً في العرض والطلب النقديين يستوجب ردا موضعياً!، وبالطبع، فالنتيجة الآلية لذلك، هي الدفع بالجهة النقدية ذات الصلة إلى الصفوف الأمامية.. مذاك، اقتصرت القرارات الاقتصادية في معركة الليرة على إعادة «تمرين» المنع إياه بوضعيات مختلفة، وذهبت البيروقراطية الحكومية إلى نحت «صنم» نقدي كبير دعتنا جميعاً للتقرب منه، وبالطبع، ودرجاً على عادة «كهنة الميتافيزيق»، فقد وجدت فيه كياناً كتيماً مناسباً لإخفاء فشلها في تفسير الظواهر الاقتصادية التي تعصف بالليرة وما يستتبعه ذلك من مسؤوليات، مرسخة حالة من «الغموض البناء».
على هذا المذهب، أضحى تحديد السعر الاقتصادي الحقيقي لليرة «نافلاً»، واستمرت الوزارات الاقتصادية في هرطقاتها، إذ من يدري اليوم كيف يقضي -مثلاً- وزيرا الاقتصاد والصناعة وقتيهما «الثمينين» وهما المعنيان المباشرين بسعر الليرة؟
وزير الاقتصاد يفعل شيئاً هذه الأيام، هو يؤسس لمؤتمر «دعم التصدير» بعد تفرغه من هيكلة مؤسساته قبل أن يستقيم على كرسيه منتظراً شيئاً ما، وكذا وزير الصناعة الذي أدى قسطه للعلا في شركات القطاع العام، وطفق اليوم ينظم الزيارات «الاجتماعية» الميدانية.
مجدداً، ومع ما لحق بالليرة مؤخراً، يبدو الوقت مؤاتياً لتذكير «يائس» بمحورية الإنتاج، فرغم نياتهما الطيبة، كان حرياً بوزير الاقتصاد الاستماع إلى ما قاله أحد مديريه عن مستوى الإنتاج الوطني في «أربعاء التجار الماضي»، ولما قاله ويقوله رئيس اتحاد الصناعيين عن تردي إنتاجنا التصديري، لكان فكّر حينها بـ«مؤتمر للإنتاج أولاً»، وأيضاً، لكان حرياً بوزير الصناعة تخصيص الوقت الذي ينفقه في الزيارات «الاجتماعية» على التفكير برزمة المعضلات التي «نبت الشعر» على ألسنة الصناعيين لكثرة ما كرروها.
ثمة حالة من «الركود التضخمي» تتسلل شيئاً فشيئاً إلى عقر اقتصادنا، هي اليوم عند مستوى يسيء إلى كرامة المستهلكين ويدفع بصغار التجار إلى مطارح ربح متاحة كما هي المضاربة على الليرة، لكنها، وما أن تفصح عن وجهها الحقيقي بعد انقضاء الصيف الذي تكبح مواسمه الزراعية نسباً وازنة من التضخم، حتى يتمكن التضخم من عنق اقتصادنا، وسيحزها حينها بلا ريب!