تصورات مختلفة لموسكو
| مازن بلال
يطفو الدور الروسي مجدداً على مساحة التحليل السياسي، فقبل اجتماع مجموعة الدول الداعمة لسورية في فيينا؛ هناك رهانات مختلفة حول قدرة موسكو على رسم المسار السياسي بشكل متجدد، والذهاب إلى جنيف مجدداً من أجل استكمال ما بدأته الجولات الماضية، وما يبدو تعثراً داخل الأزمة السورية لا يشكل وفق المؤشرات أي صعوبات بالنسبة للكرملين للمضي من دون تردد نحو التفاوض، فالتصعيد العسكري والتحركات التركية وخروقات التهدئة المتكررة؛ تبدو مبررات لاستمرار العملية السياسية أكثر من كونها نهاية للتوافقات بين موسكو وواشنطن.
ما يمكن فهمه من التحركات الروسية هو مقاربة أساسية مرتبطة بالميدان العسكري، حيث لا يمكن فرض شروط سياسية عبر التصعيد العسكري، فما حدث في مدينة حلب كان اختباراً أساسياً للحل السياسي، وتقدم «النصرة» في خان طومان يندرج في الإطار الخاص نفسه بكسر الميزان العسكري على الأرض، وفي المقابل فإن موسكو لم تنظر إلى تلك المعارك إلا من زاوية الصراع الإقليمي الذي لا يمكنه تحقيق مكاسب حقيقية، لأن المسألة السورية أصبحت ضمن تأثير عاملين:
– الأول ارتباط أي حسم عسكري بتوافقات دولية، فالتوازن في سورية يملك حساسية ربما تدفع بالأمن الدولي إلى مواقع خطرة، وهذا الأمر يترك للدول الإقليمية (تركيا والسعودية تحديداً) دفع أوراقها التي لن تؤثر في النتائج داخل العملية السياسية.
إن جميع التوافقات الأميركية – الروسية بشأن سورية لا تتعامل مع نتائج الحل السياسي، لكنها تحاول تحييد الصراع الإقليمي ولو بشكل مبدئي، فهي ترى الأزمة السورية ضمن إطار من الضوابط التي تحكم العلاقة بين موسكو وواشنطن، وفي الوقت نفسه تضعها ضمن النموذج القادر على نسف السلام الدولي والدخول في صراعات كبرى، فالتصور الروسي وفق المؤشرات الأولى يتجاوز التفكير في المكاسب على الأرض التي لن تحمل أي نتائج سياسية حقيقية نتيجة التماس المباشر للقوى الدولية في سورية، فوجود القوات الروسية هو بحد ذاته عامل الحسم النهائي وليس المعارك المتفرقة.
– الثاني هو العامل الاقتصادي لأن بقاء سورية مرهون بقدرة الدولة على الاستمرار ضمن ظرف اقتصادي خطير جداً، ورهانات بعض الدول الإقليمية تدفع باتجاه التصعيد من أجل الوصول إلى موقع يصعب معه استمرار الدولة في العمل ما يعني انهياراً شاملاً في منظومة الشرق الأوسط وليس في سورية.
التصور الروسي يرى الأزمة السورية بمؤثرين يرتبطان بالعلاقات الدولية والاقتصاد الإقليمي (وليس السوري تحديداً)، وفي الوقت نفسه من المستحيل الخروج من «الاختناق الاقتصادي» بتعامل اقتصادي مع الأزمة، لأن الأمر مرتبط بطبيعة الحل السياسي الذي يمكن أن ينقذ سورية والمنطقة من الكارثة التي تعصف بشرقي المتوسط.
العودة إلى جنيف ليس نهاية الأزمة لكنه الطريق الوحيد الممكن للوصول إلى توافقات باتت مصيرية، فبالنسبة للسوريين فإن صراعهم المزدوج مع الإرهاب والواقع المعيشي يحددان المسار السياسي، وأي بحث عن حل اقتصادي للأزمة الخانقة بالنسبة للمواطن هو أشبه بالعبث من دون البدء بحل سياسي يدفع نحو حلول سياسية، ففي جنيف ليس هناك تنازلات من الأطراف بل تنازل من أجل سورية التي بات وجودها مهدداً بعد حرب استهلكت مجتمعها وموارد سورية نافذة تفتح كل صباح على احتمالات لا يمكن اعتيادها.