جنيف على صفيح إرهاب ساخن.. إلى أين..!؟
| عبد السلام حجاب
بات مؤكداً أن الإرهاب الذي تتعرض له سورية منذ أكثر من خمس سنوات تحت مسميات وأجندات مختلفة، أصبح لعبة دولية غير مرتبطة بصيف حار أو شتاء بارد، بمقدار ارتباطه بمصالح دول الغرب الاستعماري وأميركا، وأوهام مراهقي السياسة وأطماع المستبدين في حلف الإرهاب مثل: السعودية وتركيا وقطر ومحور ارتباطها الكيان الإسرائيلي.
ولاشك بأن صعود قوى دولية وازنة في صناعة القرارات الدولية أحدث متغيرات إيجابية في المناخات السياسية، كما ساهم في كشف الغموض القسري لواقع التماهي بين الإرهاب الوهابي السعودي والإخواني التركي، مع النازية بكل ما تعنيه من فاشية وعنصرية.
وبعيداً عن الانشغال بتحليل النيات وما تخفيه المصالح، لكونها واضحة للعيان، فإن اجتماع فيينا لمجموعة العمل الدولية لدعم سورية في السابع عشر من أيار الجاري سيكون على المحك لاحتمالين:
1- أن يكون موعد الاجتماع نسخة مكررة للسابع عشر من أيار الذي جرى تصميمه لتحقيق المصالح الإسرائيلية في لبنان وسرعان ما أسقطه الشعب اللبناني، ما يعني وضع العملية السياسية لحوار السوريين في جنيف على صفيح الإرهاب الساخن في سورية لحساب فرضية تحقيق مكاسب سياسية برهانات إرهابية، ولعل رفض أميركا وفرنسا وبريطانيا وأوكرانيا في مجلس الأمن لمشروع قرار روسي بإدراج تنظيمي جيش الإسلام وأحرار الشام الإرهابيين على لوائح الإرهاب الدولي التي تشمل جبهة النصرة وداعش يكشف عن جزء من القطب المخفية التي لن تبدل فيها الذرائع التبريرية الواهية.
2- أو يكون محطة انطلاق لعملية سياسية في جنيف باتجاه الالتزام بقرارات مجلس الأمن ولاسيما القرار 2254 الناظم لحوار سوري- سوري بقيادة سورية ومن دون تدخل خارجي أو شروط مسبقة، والقرار 2253 الخاص بمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه وتجريم التعامل معه تحت سلطة الفصل السابع فضلاً عن الالتزام الصارم بتنفيذ القرار 2268 المتعلق بالاتفاق الروسي الأميركي لوقف الأعمال القتالية في سورية.
وعليه فإن التساؤل يصبح مشروعاً حول أي من الاتجاهين المحتملين سوف يسفر عنه اجتماع فيينا بمشاركة روسية أميركية أممية وخاصة أن أعداء الحل السياسي في سورية الذي تتلعثم حياله أميركا وفقاً لحسابات مصالحها ونفاد الوقت الانتخابي، تداعوا إلى اجتماع باريس في خطوة استباقية لاجتماع فيينا المقبل وبعيد صدور التقرير المشترك عن محادثات الهاتف.
بين الوزيرين لافروف وكيري ثم في وقت لاحق أعلن كيري عن تحفظات طالت اتفاق وقف العمليات في سورية والمكتب المشترك الأميركي الروسي لمراقبة تنفيذ الاتفاق.
ولا جدال في أنه إذا لم يكن التلعثم والتشويش في سياق سياسة أميركية مزدوجة المعايير لتحقيق أغراض سياسية فإنه يتيح مناخاً لأصحاب الأطماع والأحقاد في خندق أعداء سورية لخلط أوراق الإرهاب والاستثمار فيه لمصلحة مخططات وأوهام مثل التقسيم والفدرلة والكانتونات، ما يضع أميركا أمام الخيارات الصعبة نظراً للتعقيدات والتشابكات السياسية والميدانية وما يمكن أن تسفر عنه من تداعيات تتجاوز الضبط السياسي إلى الانفلات الميداني متعدد الاتجاهات.
ولعل من يقرأ في مسار الوقائع والتطورات السياسية والميدانية المتزاحمة على الأرض السورية يدرك أنها تشي باحتمالية ظهور اتجاه آخر ينفي الاحتمالين حيث لا مواءمة أو توافق بينهما، الأمر الذي يحمل اجتماع فيينا مسؤولية إدراك أن الإرهاب يتمدد، فلا دين له ولا
حدود، وأن سورية التي تحارب الإرهاب دفاعاً عن سيادتها الوطنية وحماية أمن وسلام مواطنيها بدعم روسي شرعي ومساندة من إيران وحزب الله، إنما تحارب الإرهاب دفاعاً عن أمن واستقرار العالم بأسره. حيث تبقى انتصارات الجيش العربي السوري في ميادين حربة على الإرهاب هي الحكم الفاصل في التصدي لأي أحلام أو مشاريع خارج سياق قرارات مجلس الأمن وحقوق السوريين السيادية.
ولقد كان الرئيس بوتين واضحاً بإعلانه في ذكرى الانتصار على النازية: أن الإرهاب أصبح آفة وشراً عالمياً، معرباً عن الاستعداد للتعاون مع جميع الدول في محاربة الإرهاب.
ومن جانبه أكد غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسية أن روسيا تنوي مناقشة مسألة اتخاذ الإجراءات الرادعة لتسلل الإرهابيين عبر الحدود التركية في اجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية ولاسيما أن التفاهمات الروسية الأمريكية تؤكد مطالبة تركيا بإقفال الحدود مع سورية.
ودعوة جماعة الرياض تطبيق قرارات مجلس الأمن ولاسيما القرار 2254. كذلك فقد أبلغ لافروف نظيره الأمريكي في مكالمة هاتفية بوجوب اتخاذ إجراءات لمنع وصول إمدادات للإرهابين عبر الأراضي التركية ووفقاً للبيان الروسي الأميركي فإن موسكو وواشنطن ستتخذان إجراءات لتحديد مواقع سيطرة تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين في سورية، غير أن الوقائع تقول غير ذلك، والقلق أصبح مضللاً، ولقد أبلغت الخارجية السورية، المنظمة الدولية ومجلس الأمن بارتكاب جبهة النصرة الإرهابية ومن يلتحق بها كجيش الإسلام المجزرة المروعة في بلدة الزارة بريف حماة والتي تأتي بتنسيق مع سلسلة الاعتداءات الإرهابية المنظمة التي تستهدف العديد من المدن السورية، على حين أكدت الخارجية الروسية أن الغرب عطل إنشاء آلية واضحة لتحديد الإرهابيين في سورية، ما يحمل واشنطن مسؤولية إزالة الغموض وتبديد التشويش أمام اجتماع فيينا غداً.
إنه ليس تفاؤلاً أو تشاؤماً بشأن فرص استئناف جنيف عقد جلساته للحوار بين السوريين يضع محاربة الإرهاب في مقدمة أولوياته مؤهلاً لحل سياسي من دون تدخل خارجي أو شروط مسبقة لأن أي انحراف يتمخض عن اجتماع فيينا سوف يضع العملية السياسية في جنيف على صفيح الإرهاب الساخن. وهو اتجاه لن يسلم أحد من شروره ومخاطر تداعياته سواء شغلت أميركا وحداتها الصاروخية في رومانيا ولاحقاً في بولندا، لمحاولة ابتزاز روسيا ولإخراجها من معادلة الحرب على الإرهاب إلى جانب سورية ومحور الحلفاء والأصدقاء ولاشك بأن خيارات السوريين بقيادة الرئيس بشار الأسد واضحة.
سواء على مسار محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه أو على مسار العملية السياسية في جنيف، حيث يقرر السوريون كل مرحلة من مراحلها عبر التصويت عليها في صناديق الاقتراع، وعدا ذلك من أوهام ومشاريع فإن على أصحابها ملاقاتها في عالم آخر.