أردوغان يقوض أركان دولته العثمانية
| ليون زكي
لا يكف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن دق مساميره في نعش إمبراطوريته العثمانية المزعومة وآخرها إقصاء مهندس أركانها ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو من الحياة السياسية دافعه إلى ذلك احتكار السلطات جميعها وحصرها في قبضته بما يليق بسلطان فقد عرشه قبل أن يجلس عليه ولسان حاله يقول: تركيا لي فقط.
بفقدان أردوغان المرتقب لرفيق دربه أوغلو والعقل المدبر و«العقلاني» للسياسة الخارجية التركية، يكون قد قطع شوطاً إضافياً في احتكار الحكم لكنه في الوقت ذاته أعمل الخراب في قصره وفي حزبه «العدالة والتنمية»، ما يدلل على مضيه في حماقاته العدائية حيال أطياف مجتمعه وجيرانه والمنطقة، وسورية بشكل خاص التي أفلس فيها وغاص في وحل أزمتها وما زال متمادياً بتنفيذ مشروعه وأحلامه المفصولة عن الواقع بضمها إلى تبعيته.
إن طموح أردوغان بتحويل نظام الحكم إلى رئاسي لن يمضي من دون تبعات على قوى المعارضة التي يسعى إلى تهميشها والقضاء عليها وعلى ثقة الناخبين الذين وهبوه الفوز بأغلبية ضئيلة ثم على حزبه الذي استأثر بقراراته المصيرية من دون استشارة أحد فيه. ولن يسلم الجيش والقضاء وحرية الصحافة بطبيعة الحال من جنوح الرئيس بما قد يترك تداعيات كثيرة سلبية على «النجاحات» الاقتصادية التي قطعتها تركيا في عهد الحزب الحاكم.
السيناريو المرجح تطبيقه قي هذا المجال وفي ظل انسحاب منظّر «العدالة والتنمية» أوغلو، اقتراح الحزب، المساق قسرياً بأجندة أردوغان والذي سيعقد مؤتمراً استثنائياً في 22 أيار الجاري لاختيار زعيم جديد خلفاً له، تعديل الدستور في البرلمان الشهر القادم لتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي ثم إخفاقه لتعذر الحصول على أغلبية برلمانية من أحزاب المعارضة بمعدل ثلثي الأعضاء قبل الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة خلال بضعة أشهر على أمل الحصول على النسبة ذاتها (50 مقعداً إضافيا)، وهو أمر مستبعد الحدوث لاعتبارات عديدة في مقدمتها التطورات الدراماتيكية المتوقعة التي أفقدت تركيا وستفقدها المزيد من استقرارها وأمنها كرد فعل على سياسات أردوغان الداخلية والخارجية المتخبطة والعدائية بمجملها، والأرجح إجراء استفتاء شعبي بعدئذ للغاية نفسها لن يهبه مراده.
وعلى الرغم المسوغات الذي قدمها رئيس الحكومة التركي لتبرير انفصاله عن «صديقه» رئيس الجمهورية إلا أنه لم يكشف النقاب عن حقيقة خلافاته معه ورفضه بشكل قاطع لخطته في تحويل النظام إلى رئاسي مطلق عدا تقليص صلاحيات أوغلو أخيراً داخل الحزب بعدما سحبت منه، بصفته زعيماً له منذ 2014، سلطة تعيين مسؤوليه في الولايات التركية ورفض أردوغان لاقتراحه رفع الحصانة عن 80 نائباً في الحزب بهدف محاسبتهم بقضايا تخص الفساد، وهو سبب إعلانه عن عدم ترشحه لرئاسة الحزب لولاية جديدة وإنهاء العلاقة الإستراتيجية مع أردوغان.
والواضح أن أولى نتائج وانعكاسات نهج وسياسة أردوغان المتشبث والمستفرد بالسلطة وصول المفاوضات مع أوروبا إلى طريق مسدود فيما يخص منح الأتراك تأشيرات دخول إلى دولها على خلفية رفضه تعديل قوانين مكافحة الإرهاب بعد أن استغل أزمة اللجوء السوري إلى بلاده وحصل على مكاسب سقطت ثمارها قبل نضوجها، وهو ما حفزه على متابعة حربه ضد مواطنيه الأكراد ومحاولة تدخله السافر بإنشاء منطقة آمنة داخل الأراضي السورية بذريعة تهديدات تنظيم «داعش» للأراضي التركية على الرغم من أنه أهم شريك في صنع وتوسع التنظيم.