التدخل الداخلي.. ممنوع!!
| عبد الفتاح العوض
من رومانسياتنا في بداية الكارثة السورية أننا وضعنا مجموعة من الخطوط الحمراء التي لا يجوز للسوريين أن يتجاوزوها، تحدثنا وقتها بعقل ساذج عن المحرمات السورية.. ومما قاله السوريون وقت ذاك: إن المحرمات هي الدم السوري على السوري، الحديث الطائفي.. ثم التدخل الخارجي.
أخذتنا السنوات الخمس الحزان وما يليها ولا ندري كم يليها.. إلى أن سقطت هذه المحرمات شيئاً فشيئاً، فالدم السوري صار يثير الشهية أكثر، والمجازر تعلن عن نفسها ببشاعتها وتطرفها ووحشيتها.
ثم إن الحديث الطائفي يظهر في فئات كثيرة معلناً عن نفسه بطريقة مقرفة ومخزية، بل صار الواحد فينا يقول: أنا لست طائفياً ثم يدبّج كل حديثه بالطائفية تصريحاً وتلميحاً.
لكن مثل هذه الأشياء.. الدم واللغة الطائفية قابلة للحدوث في كل زمان ومكان، وتاريخ الشعوب غرباً وشرقاً وفي كل اتجاه شهد هذا النوع من التنازع والتصارع والخلل الذي يوصل إلى مكان لا تسمع فيه إلا لغة الأحقاد.
حدث هذا وهو قابل للحدوث في أي مكان، لكن في لحظة ما يقف فيها الجنون جانباً ويبدأ حديث العقل ينساب بين الجموع حتى يصبح سيداً. فلماذ يتأخر عقلنا دوماً؟؟
لماذا لم يحدث هذا في الكارثة السورية؟!
ببساطة.. السبب هو المحرم الثالث الذي أصبح مباحاً وهو التدخل الخارجي.
جميعنا يتابع ويلاحظ أن معظم الأحاديث حول الكارثة السورية ومآلاتها لا نسمعها من السوريين.
بل وزراء العالم يتحدثون عن سورية أكثر مما يتحدث الواحد فيهم عن بلده.
وعندما تتعقد الخيوط وتتشابك المصالح وتتعارض الغايات، فإن المأساة ستبقى قابلة للتمدد مادام في كل تفصيل ثمة من يرسم لوحته الخاصة.
أصبح التدخل الخارجي هو الحالة الطبيعية، و«التدخل الداخلي» هو الحالة الاستثنائية.
هذا هو سر طول المأساة السورية، وإذا لم تعد سورية للسوريين، فإن القصة طويلة، فلا يمكن التعويل على اتفاق العالم على مصالحه لانتهاء المأساة، ولم يحدث أن تدخل العالم بمؤتمراته وندواته وبياناته لإصلاح أزمة ما ونجح فيها.
يقولون ما حك جلدك مثل ظفرك… أصحيح إذا قلنا: ما حل أزمتك غير شعبك…؟!
وإن أفضل كلمة تقال في هذا المجال: «ارفعوا أيديكم عن سورية» وهو أمر لا أظنه يتم من خلال رفع شعار أو مقولة، بل يتم من خلال جهد السوريين أنفسهم.
ولا يمكن التعويل على أولئك الذين ذهبوا بعيداً في العبودية للغير، بل التعويل على نمط من السوريين يملك من الروح السورية ما يؤهله ليتحدث عن سورية ولسورية فقط.
كثيرون هم الذين يؤمنون بسورية، لكن قلة تلك التي تقوم بعمل بناء وفعال يعكس رغبة نزع التدخل الأجنبي في هذه الأزمة المأساة.
لعلكم تذكرون وهم ما زالوا يذكروننا بطلبات التدخل العسكري والدعم العسكري ورمي السلاح في سورية وغيرها من الطروحات التي تؤكد أن الذين قدموا كل هذه الخدمات العدائية لبلدهم لا يمكن أن يكونوا جزءاً من الحل، ولن يكونوا ممراً له إلا إذا طلب الممولون ذلك.
إن سورية «بيعت» على يد أبنائها في أسواق العالم.. ولن يرحم السوريون كل من ساهم بذلك..
ثمة أشياء غير قابلة للحذف من سجلات التاريخ.
آخر كلام:
لا تعتمد كثيراً على أحد فحتى ظلك يتخلى عنك في الأوقات المظلمة.
أصعب معركة عندما يدفعك أحد لأن تكون شخصاً آخر.