الدين للإنسان
| د. نبيل طعمة
الله للجميع، الأوطان للبناء والحياة على العكس تماماً مما يشاع ويستند إليه، فما حاجة الله للدين، تلك المقولة التي تناكفنا عليها كثيراً حول من قالها ومن رسخها، «الدين لله والوطن للجميع» أليست في حدِّ ذاتها فكرة تضليلية وخداعاً فكرياً، ينبغي على جميعنا التوقف عندها، ومراجعة كامل المطروح من أجل امتلاك أسباب وجودنا واقعياً لا افتراضياً في الحياة، وحينما نتأمل، ونتفكر، ليس ملياً ولا عميقاً أي ضمن الرؤى البصرية، نجد أنَّ لا موضوعية للفكرة التي تسود المجتمعات القابلة فقط للاشتعال من شرارة، أي إنها مختلفة على تبعيتها للدين، ومن ثمَّ تعلقها بإله الدين، حيث نجد من يلجأ للتمسك بها، يمنحك مباشرة المعرفة أنه مستعد للاختلاف عليها إلى حدِّ القتال مع الآخر، من أجل ما يعتنق، حيث استقى جزيئة منه، أي انتماءه لطائفة أو مذهب، وهذا ما يجري في دول العالم الثالث، وبشكل خاص في منظومة الأمتين العربية والإسلامية التي تحاول دائماً الخروج من التعلق إلى التخلق، فنجد الهوة كبيرة بما نشأت ووجدت ذاتها عليه، من دون قيامها بأي عملية تطوير فكرية للمسارات الدينية، فهي منحصرة في تلك الأفكار التاريخية بكل ما تحمله من إيجابي وسلبي.
نتفكر لنسأل: لماذا الآخر يثق بالله؟ ولماذا كانت الرسالات؟ ومن أجل ماذا حضرت وظهرت النبوات، أليس بغاية تهذيب جوهر الإنسان، وعكس ذلك على مظهره، وإلى أين وصلت هذه التعاليم التي بتنا وأصبحنا نستخدمها من أجل نعت بعضنا والاستعداد للانقضاض أيضاً على بعضنا، الشعوب تريد الحياة بعيداً عن أفكار التضاد، تنشد السلام بغاية بناء وجودها والانخراط واقعياً في إعمار جغرافيتها وخاصتها، وتسعى لأن تكون محايدة ومؤمنة بالموضوعية والواقعية بعيداً عن النعرات الطائفية والغضب والانتقال الحاضر من تلك اللغة المسكونة في المقدس الذي انقسم على بعضه، وكل واحد أخذ منه ما يناسبه، ليس من أجل السلام، بل سعي وراء التمترس خلفه والقتال به ولأجله، وبدلاً من أن تتفهم شعوبنا العربية والإسلامية وجود غنى التنوع الثقافي القادم من التنوع الإثني والطائفي والمذهبي، راحت تحصر وجودها في جزئياته عوضاً عن الاستثمار الإيجابي في هذا التنوع، وبقيت تقليدية وماضوية، بل أكثر من ذلك، أخذت على عاتقها مقاتلة المتنورين الباحثين عن الآفاق الإنسانية والوطنية الذين يذهبون لتطوير النظام السياسي وتحويل المجتمع من مجتمع ديني اتكالي غيبي، يرمي بكامل شؤونه على الإله، إلى مجتمع جمهوري علمي يدرك مفهوم الحياة ونظم العمل الإيجابي والإنتاجي فيها ولها.
الضرورات الاجتماعية تدعو بسرعة للأخذ بنواصي ضرورات الفكر والتجديد فيه بعد حذف الماضي السلبي، أو توسيع مساحات العقل وذواكره، ليصبح قادراً على استيعاب القادم الإيجابي.. التنوير الإعلامي الذي يجب عليه الانتقال من التقليدية البيروقراطية إلى الدينامية الحياتية، وإلا فهو باقٍ بتقوقع، كما هي حال العملية الدينية المتوقفة عند نقطة انطلاقها التي اعتبرتها قوية، وهي كانت كذلك، إلا أنها توقفت بعد حين، وهي ما زالت حتى اللحظة متوقفة، بل أخذت في التراجع، والدليل الدائم هو نسب الدين إلى الإله الذي غدا محور التقاتل وتحويل الإله إلى آلهة، ومن خلال النظر والتدقيق في كامل القيادات العربية والإسلامية، نجد أن جميعها قيادات علمانية، قيادات لا دينية، منها المؤمن، ومنها المسلم، تحيا حياة الغرب والشرق، حتى إن الزعامات القائمة على ربوع الإسلام؛ أي السعودية، وترعاه وتتنافس على الإمساك بنواصيه بشكل مستمر، ودول الخليج الحامل الرئيس لمنابع ظهوره وحضوره وإدارته، نجدها علمانية بامتياز، تغسل الكعبة وتطهرها بالمسك، تتناول الخمر وتتعاطى الميسر، تحب الجنس وتمارسه دعارة ومتعة وملكة الأيمان، ويسري هذا على سواد القيادات العربية والإسلامية، ومن هنا كان الفصل بين الناس كافة، وقياداتها من أولئك الناس الرافضين بشكل دائم لأفكار العلمانية، أو فصل الدين عن الدولة، وكانت الدعوات الخطِرة لقلب المفاهيم والقيم التي توقفت عند المنظومات الدينية لاشتقاقاتها وإغراء الناس وإغوائها بتفاسيرها وفتاواها ومدخلاتها ومخرجاتها، ما حصر الجميع في أتونها البارد حيناً والساخن في كثير من الأحيان، والمتأمل المتابع للحالة النفسية لإنسان مجتمعاتنا يجد ببساطة أن القبلية والعشائرية والمناطقية والطائفية مازالت مسيطرة على جوهر إنسانها وقياداتها، لا تحرك ساكناً تجاه هذا المشهد المستمر، بل أكثر من ذلك نشهد انفلاتاً فكرياً في المنحى الديني، يعزز بشكل غير مباشر تلك التوجهات الخفية التي غدت علنية، كأفكار التشدد الديني، حيث أصبح على تضاد مع أي فكرة عملية أو علمانية، بوعي أو من دونه، وعندما نقول: إن الدين للإنسان، ونعكس السائد، ندرك أن الإنسان لا يستطيع الحياة من دون دين أو طائفة أو مذهب أو إله، إلا أننا ندعو إلى فرد المشاريع الدينية كي لا تكون أداة فرقة، وهي التي وجدت من أجل إنسانية الإنسان وتعزيزها، وما نسمعه من صراع للحضارات وصراعات خفية بين الأديان، وعلى الإله أو الآلهة من حيث أن لكل إنسان معتقده وإلهه، يدعونا بقوة لفهم الآخر والالتقاء معه خارج إطار معتقده ضمن حواريات الالتقاء فيها يكون من أجل الحياة واستمرارها، لا من أجل قتلها أو الاقتتال اللا واقعي عليها.
هي دعوات من أجل إنسان الحياة لا إنسان التدين للإنسان المؤمن الحق الذي يدرك أن هناك بوناً شاسعاً بين الإيمان الحق والأديان، لأن الإيمان يتجه مباشرة للاعتراف بالإنسان الآخر وبالإنسانية التي لولا وجودها لما كنا، ولكنا بشر يستبيح بعضنا بعضاً، ويأكل بعضنا بعضاً، ولنتفكر فيما يجري عالمياً.
اليوم ومع دخولنا الألفية الثالثة، وعلى الرغم من ظهور مشاريع العولمة وانتشار وسائط الاتصال السريع عبر الإنترنت وبواباتها، نجد أن العالم تسارع أكثر للسيطرة على بعضه، ولم يجد وسيلة لتعزيز أدوار الاستلاب والقتل إلا القتل باسم الله، والتفاسير والفتاوى لا تستحضر إلا لغته، كيف بنا نخلص من المشهد المزري الذي وصلت إليه عوالم العرب والمسلمين، أعتقد بعد الذي سطرته، لكم أن تتقدموا إلى الحياة كمؤمنين بالله والأرض والإنسان فنغدو واقعيين.