ثقافة وفن

الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والعمرانية بدمشق عام 1928م … مواد الدستور لاتنفذ مالم يصدقها المفوض السامي الفرنسي!

| شمس الدين العجلاني

شهد عام 1928 م الكثير من الحوادث والوقائع السياسية والاجتماعية والعمرانية، ، ففي هذا العام تم وصول أحد المتعاونين مع المستعمر الفرنسي إلى سدة رئاسة مجلس الوزراء، في هذا العام حصلت معركة الدستور السوري مع الانتداب الفرنسي، وفي هذا العام تم بناء أروع وأجمل الأبنية في سورية التي لم تزل قائمة إلى الآن… ولنفتح صفحات التاريخ على عام 1928، ولنقرأ بعضاً مما ورد فيها..

رئيس وزراء سورية
بعدما استقال رئيس الدولة رئيس الحكومة السورية الداما أحمد نامي يوم 8 شباط عام 1928م «والداما تعني صهر السلطان» حارت فرنسا بمن تأتي لسدة الرئاسة، فوقع اختيارها على قاضي دمشق الشيخ تاج الدين الحسني، وأصدر المفوض السامي الفرنسي هنري بونسو القرار رقم 1812 تاريخ 14 شباط عام 1928م بمادة واحدة مما جاء فيها: « يعين سماحة الشيخ تاج الدين الحسني قاضي دمشق رئيساً لمجلس الوزراء في دولة سورية « وشكل الحسني وزارته التي استمرت من 15 شباط 1928م إلى 19 تشرين الثاني 1931م، والمعروف عن الحسني أنه موظف كفء للمستعمر الفرنسي.

الجمعية التأسيسية عام 1928
تحت ضربات رجال الثورة السورية الكبرى التي انطلقت عام 1925 مما جعل هنري بونسو المفوض السامي يستجيب لمطالب الوطنيين بإنشاء جمعية تأسيسية، ويصدر القرار رقم 1889 بتاريخ 20 آذار 1928 المتعلق بانتخابات المجلس النيابي في دولة سورية وتشكلت حكومة برئاسة الشيخ تاج الدين الحسني، التي جعلت من أولى مهامها القيام بإجراء انتخابات مجلس تأسيسي يقوم بإعداد وإصدار الدستور الذي يجب على أساسه أن تحكم البلاد، وأصدر الشيخ تاج الدين الحسني القرار رقم 29 تاريخ 1/4/1928 والقرار رقم 35 تاريخ 4/4/1928 حدد بموجبهما نواب المناطق الانتخابية والطوائف التي ينتمون إليها، وبالفعل جرت الانتخابات في يومي 10 و24 نيسان 1928، فاز بها مرشحو الكتلة الوطنية ومرشحو الفئات الوطنية الأخرى في أكثر المناطق والبلدان.
افتتح هذا البرلمان أعماله بتاريخ 9 حزيران عام 1928 فترأس هذه الجلسة أكبر الأعضاء سنا وهو الحاج محمد أفندي أضه لي، وعضوية أصغر عضوين سنا وهما نقولا خانجي وسعيد الغزي، وقد جرى في هذه الجلسة انتخاب مكتب المجلس، وكان لينادو أثناء هذه الجلسة عضواً في لجنه تدقيق الاقتراع، وفاز برئاسة المجلس السيد هاشم الأتاسي.
عطلت الجمعية التأسيسية بموجب قرار المفوض السامي بتاريخ 3/3/1929 إلى أجل غير مسمى.

دستور أعرج
في عهد المحتل الفرنسي جرت انتخابات نيابية في يومي 10 و24 نيسان من عام 1928، فاز بها مرشحو الكتلة الوطنية ومرشحو الفئات الوطنية الأخرى في أكثر المناطق والبلدان، وانتخب هاشم الأتاسي رئيساً للمجلس.
شكل هذا المجلس لجنة خاصة لوضع دستور للبلاد، وخلال شهري حزيران وتموز من عام 1928 تم وضع الدستور بصيغته النهائية من 115 مادة، وكان للنائب المحامي فوزي العظم الدور البارز والمهم في إعداد هذا الدستور…
في الجلسة الرابعة عشرة التي عقدها المجلس يوم 9/6/1928 لمتابعة مناقشة مواد الدستور، حضرها أمين السر العام لسلطات المحتل الفرنسي بدمشق المسيو موغرا مع ترجمانه الخاص. وبدأ المسيو موغرا بتلاوة خطاب من المفوض السامي الفرنسي هنري بونسو الموجه إلى المجلس، يطلب فيه فصل الأحكام المشار إليها في المواد 73، 74، 75، 112 من مشروع الدستور قبل البدء بمناقشة مواده الأخرى، لأن هذه المواد تخالف مخالفة صريحة العهود الدولية التي تعين مسؤولية الدولة المنتدبة! علماً بأن هذه المواد تبحث في شؤون الوحدة والتمثيل الخارجي، وتعيين الممثلين، والأحكام العرفية والجيش، كما طالبت سلطة الانتداب إضافة مادة جديدة إلى مشروع الدستور برقم 116 تنطوي على مفهوم أن مواد الدستور لا تنفذ ما لم يصدق عليها المفوض السامي الفرنسي..
رئيس الحكومة آنذاك الشيخ تاج الدين الحسني مع عدد من المتعاونين مع المحتل الفرنسي، أيدوا اقتراح المفوض السامي! وتقدم النائب وديع الشيشكلي باقتراح للموافقة على الطلب الفرنسي، وفي الوقت نفسه تقدم النائب فوزي الغزي باقتراح عدم الموافقة على طلب المفوض السامي، ونجح اقتراح الغزي، وسقط اقتراح الشيشكلي.. وإثر ذلك قرر المفوض السامي في اليوم التالي تعطيل المجلس ثلاثة أشهر، وفي شباط من عام 1929 أصدر قراراً آخر بتعطيل المجلس لأجل غير مسمى..
أطلقت الصحافة السورية آنذاك على هذا الدستور «الدستور الأعرج» نتيجة تأييده من رئيس الحكومة الشيخ تاج الدين الحسني الذي كان مصاباً بعض الشيء بالعرج من قدمه.
في 14 أيار 1930 أصدر المفوض الفرنسي بإرادته المنفردة هذا الدستور بعد إجراء بعض التعديلات عليه، لتقوية مركز فرنسا كسلطة انتدابية في سورية.

بناء البرلمان
بدأ إنشاء دار البرلمان السوري عام 1928 على عدة مراحل وعلى مساحة تبلغ 6589 متراً مربعاً انتهت المرحلة الأولى عام 1932 وتضمنت بناء طابقين، وهو الكتلة الأولى، التي تحتوي على قاعة كبيرة «هي الآن استراحة الأعضاء» كانت تتم فيها اجتماعات النواب من عام 1932 إلى تشرين الأول 1954. وشهدت هذه القاعة التخريب والتهديم في 29 أيار1945 حيث استشهد فيها عدد من حامية البرلمان السوري إثر اعتداء المستعمر الفرنسي على البرلمان.
بعد عدوان المستعمر الفرنسي على المجلس النيابي في 29 أيار 1945 فكر سعد اللـه الجابري، وكان آنذاك رئيساً لمجلس النواب، بإنشاء قاعة جديدة لاجتماعات النواب تستوعب عدداً أكبر منهم وتحتوي على شرفات واسعة للزائرين إضافة إلى إعادة ترميم وبناء ما هُدّم من أقسام نتيجة عدوان قوات الانتداب آنذاك. وفعلاً في عام 1947 بدأت المرحلة الثانية في بناء دار البرلمان، وأنشئت قاعة كبيرة لاجتماعات أعضاء البرلمان «القاعة الحالية» انتهت هذه المرحلة عام 1954 وانعقدت أولى جلسات البرلمان في القاعة الجديدة بعد سقوط نظام أديب الشيشكلي بتاريخ 14 تشرين الأول 1954 وما زالت إلى الآن تعقد اجتماعات المجلس في هذه القاعة.
أما المرحلة الثالثة فكانت زمن رئاسة فارس الخوري حيث ارتأى أن القاعات التي كانت موجودة آنذاك لاجتماعات اللجان البرلمانية وسكرتارية المجلس لم تعد كافية فأمر ببناء سبع غرف في الطابق الأرضي وكذلك سبع غرف في الطابق العلوي.
وفي عام 1999 زمن رئيس مجلس الشعب عبد القادر قدورة جددت صالونات المجلس ومداخله وتم إشادة بناء إضافي يحتوي على ثلاثة طوابق ويتضمن قاعتين لاجتماعات لجان المجلس وعشر غرف كما ألحقت بالمجلس في الفترة نفسها الحديقة العامة الملاصقة لحديقة المجلس وكان اسمها حديقة العائلات وأصبحت جزءاً من حديقة المجلس وزُينت بمساحات خضراء غرست فيها أشجار مختلفة أبرزها النخيل إضافة إلى أنواع كثيرة من الورود المحلية والياسمين الذي اشتهرت به دمشق، كما أضفت الإنارة لمسات رائعة عليها.
لقد عرف الفنانون والحرفيون السوريون كيف يوائمون بين شتى المدارس المعمارية التي عرفتها دار البرلمان السوري في أزمنته المتعاقبة بحيث مزجوا بين الفن الفاطمي والعباسي والأندلسي وزينوا بهذا الفن قاعات البرلمان وجدرانه وسقوفه ومداخله ونوافذه وشرفاته في عملية زخرفية تبدأ بالتدرج والتداخل من المنمنمات والحفر على الخشب إلى النقش على الحجر فالحديد المشغول ثم الرخام والحجر الملون والمطعم وذلك تبعاً لوظائف الأماكن والصالات والقاعات والأروقة التي تصل بينها.
ويلاحظ أن المبنى الآن على شكل جناحي العُقاب السوري (شعار سورية).
فجاء بناء دار البرلمان السوري ذروة في استقطاب جهود الفنيين السوريين التي استهدفت جعله معلماً من معالم الوطن وتاريخاً لأزمنة وفنون متنوعة في العمارة والهندسة الداخلية.
في عام 1928 م تم البدء في بناء دار البرلمان السوري، أعرق وأجمل الأبنية التاريخية التراثية في المنطقة العربية. بدأت أعمال بناء مجلس الشعب تحت اسم دار البرلمان السوري عام 1928 على عدة مراحل، في موضع دار (سينما جناق قلعة) التي افتتحت في عام 1916 ولم تستمر أكثر من شهر، إذ استفاق سكان دمشق، وشاهدوا هذه الدار كتلة من اللهب نتيجة احتراق بكرة الفيلم، وبقي مكانها أرضاً محروقة حتى عام 1928 حين قررت حكومة رئيس الوزراء تاج الدين الحسني إقامة بناء مجلس نيابي في سورية بعد ضغوط شعبية على الانتداب، وتم الانتهاء من المرحلة الأولى عام 1932. ‏‏‏
وتم في المرحلة الأولى بناء عدة غرف وقاعة اجتماعات مساحتها نحو 200 متر مربع تمت فيها اجتماعات جميع المجالس النيابية من عام 1932 وحتى عام 1954. ‏‏‏
وتمت مرحلة تالية من مراحل بناء البرلمان السوري في زمن رئاسة فارس الخوري، حيث ارتأى أن القاعات التي كانت موجودة آنذاك لاجتماعات اللجان البرلمانية وسكرتارية المجلس لم تعد كافية، فأمر ببناء غرف إضافية. ‏‏‏
وبعد اعتداء قوات الانتداب الفرنسي على البرلمان السوري عام 1945 أمر رئيس المجلس النيابي آنذاك سعد اللـه الجابري ببناء قاعة جديدة تستوعب عدداً أكبر من النواب، واستمر العمل بهذه القاعة مدة سبع سنوات، وانعقد أول اجتماع فيها عام 1954 وهي القاعة الحالية لاجتماعات السادة أعضاء المجلس. ‏‏‏
وتم بناء شرفات تطل على قاعة الاجتماعات الرئيسية (قاعة القبة) خصصت لكبار الزائرين وموظفي الدولة، إضافة إلى شرفة خاصة بالصحفيين والإعلاميين. ‏‏‏
وفي عام 1999 جددت قاعات المجلس ومداخله، وتمت إشادة بناء إلى الجنوب من الكتلة الرئيسية يحتوي على ثلاثة طوابق ويتضمن قاعتين لاجتماعات لجان المجلس وعدة غرف، كما تم توسيع حديقة المجلس، وتم تسجيل مبنى البرلمان على قائمة التراث العالمي برقم 140 من بين 216 مبنى مسجلاً. ‏‏‏

حريق دمشق
في الساعة الثانية بعد ظهر يوم الأربعاء الواقع في 20 حزيران 1928م، ، بدأ حريق هائل بدمشق استمر لمدة يومين، ابتدأ الحريق من شارع الناصري وانتشر في المناطق المجاورة مثل محلة السنجقدار وساحة المرجة… والتهم هذا الحريق معظم الأبنية والمشيدات، والفنادق، والبيوت العربية، والمحال التجارية القائمة بتلك المناطق، قدرت الصحافة خسائر هذا الحريق بنصف مليون من الجنيهات، وقدرها البعض الآخر بما لا يقل عن (ثلاثة أرباع مليون جنيه). كان سبب الحريق… شرارة اندلعت من سينما النصر الواقعة في جادة الناصري.. ومن أهم ما طاله هذا الحريق مقهى وسينما ومسرح زهرة دمشق الذي كان قائماً في ساحة المرجة مكان فندق السمير أميس الآن.

وفي عام 1928م
صدرت بدمشق جريدة (الاستقلال) لصاحبها محمد راغب العثماني اللاذقاني وفي العام نفسه أيضاً صدرت جريدة (القبس) المشهورة لصاحبها نجيب الريس.
في عام 1928 تم عرض أول فيلم سوري هو (المتهم البريء).
نادي الوحدة الرياضي أسس عام 1928 م تحت اسم نادي قاسيون، وكان للمربي أحمد عزت الرفاعي الدور المهم في تأسيسه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن