اقتصاد

الرواتب.. وزيادة!!

| علي نزار الآغا 

لطالما كانت «إشاعات» زيادة الأجور والرواتب مصدر فرح لبعض الموظفين الحكوميين، وقلق للأكثرية من المواطنين، لما تحمله معها من مسوّغات لرفع أسعار السلع والخدمات، بنسب تفوق الزيادة.
ويخبرنا التاريخ أن التضخم التهم كل الزيادات في الأجور والرواتب، مباشرةً، إذ تضاعفت أرقام الرواتب «الأجور النقدية» دون أن يرافقها تحسن ملموس في الدخل الحقيقي، بمعنى القدرة الشرائية للدخل، إذ لم يتحسن مستوى المعيشة كما كان متوقعاً إثر زيادات الأجور والرواتب النقدية.
إذاً فالمعادلة بسيطة، ويفهمها الجميع، المطلوب دوماً هو تحسين مستوى المعيشة، وهو نتيجة لزيادة الدخل الحقيقي، أي زيادة القدرة الشرائية للدخل، وهذا يتم عبر ضبط الضغوط التضخمية، من خلال استقرار قيمة العملة الوطنية وضبط هامش تذبذبها، والتحكم قدر المستطاع بالأسعار، من خلال التدخل غير المباشر في الظروف الطبيعية، أي عبر دوزنة العرض والطلب من خلال ضبط بعض العناصر المؤثرة فيهما، على أساس أن الأسعار تتحدد وفق توازن قوى السوق، أي العرض والطلب. وفي أوقات الحرب يصبح التدخل مباشراً عبر آليات التسعير الإداري.
إلا أن ما حدث في الاقتصاد السوري خلال خمسة أشهر فقط من العام الجاري (2016) غير موقفنا من المفاهيم الاقتصادية البسيطة. إذ تضاعف سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، بتسارع غير مسبوق خلال الحرب، فانهار وسطي دخل الموظف دون 50 دولاراً، ما جعل زيادة الأجور والرواتب ليس خياراً، بل مطلباً ملحاً وضرورة إسعافية، لتعويض ما خسره المواطن في خمسة أشهر على أقل تقدير!!
وبالأرقام، بلغت كتلة الأجور والرواتب في موازنة 2016 مبلغ 372 مليار ليرة سورية، أي ما يعادل 1.24 مليار دولار على سعر صرف 300 ليرة للدولار، واليوم بعد مضي خمسة أشهر من بدء تنفيذ الموازنة انخفضت قيمة الكتلة إلى أقل من 620 مليون دولار، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 600 ليرة، ما يعني بلغة السوق خسارة الموظفين لأكثر من نصف دخولهم الحقيقية، إذ إن معدل التضخم يفوق معدل زيادة سعر صرف الدولار، بسبب هامش الزيادة في سعر الصرف الذي يضعه التاجر تحوطاً.
لذا فإن تعويض ما خسرته كتلة الرواتب في خمسة أشهر فقط يتطلب زيادتها 100% اليوم، لأن بقاء الرواتب عند مستوى 40 -50 دولاراً إذا ارتفع الدولار إلى مستويات جديدة، يبقى أفضل من استمرار تراجع الرواتب إلى 20 دولاراً مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة.
والصحيح اليوم هو أن تترافق زيادة الأجور والرواتب مع إجراءات حاسمة لضبط تقلبات سعر الصرف وتحديد هامش ضيق لتذبذبها، وضبط أسعار السلع والخدمات، وتوجيه الكتلة النقدية الإضافية نحو الطلب على المنتج المحلي، وليس الاستيراد، كي لا تتسلل الزيادة إلى جيوب الأجانب عبر فاتورة المستوردات، وهذا يعني ترشيداً حقيقياً للإستيراد.. وبهذه الطريقة تصبح زيادة الرواتب مدخلاً لدعم الإنتاج عبر توجيه الاستهلاك نحوه، وليس مسوغاً لتضخم جديد غير ناتج عن التشغيل.

هامش نقدي
زيادة الرواتب 100% فيما لو أقرت منذ الشهر القادم ستكلف الحكومة نصف كتلة الأجور والرواتب، أي أقل من 310 ملايين دولار حتى نهاية العام الجاري، وهي أقل أو تزيد قليلاً على حجم تدخل مصرف سورية المركزي لمدة شهر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن