الأولى

أي مصلحة للسعودية وتركيا بالحل؟

| بيروت – محمد عبيد 

هل تنجح المحاولات الروسية للدفع باتجاه ترسيخ الفصل بين التأثيرات الإقليمية والدولية ومسار الحل السياسي التفاوضي حول الأزمة في سورية، وخاصة أن موسكو اعتبرت أن بيان جنيف2 والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة بمضمون التفاهمات التي أقرت في هذا اللقاء وأبرزها القراران 2253 و2254 أرست جميعها آليات واضحة وصريحة حول تجفيف موارد وإغلاق ممرات الدعم المالي واللوجستي للمجموعات الإرهابية التكفيرية. كذلك وضعت أجندة زمنية دستورية وسياسية لجهة سلوك مسار يؤسس لإقرار تعديلات على النظام السياسي تسمح بمشاركة أوسع لشرائح المجتمع السوري ونخبه السياسية وقواه الحية موالية ومعارضة على حد سواء.
لكن الإجابة عن هذا التساؤل ليست بيد موسكو وحدها وإن كانت مصرة على اعتبار أن هذين القرارين قد صدرا بإجماع أعضاء مجلس الأمن كافة وبتنسيق تفصيلي مع واشنطن ومن ثمَّ هي ملزمة باحترامهما وتطبيقهما، ولا بيد القيادة السورية التي من المؤكد أنها تفضل حلاً سياسياً وطنياً يُوقف نزيف الدم كما يُنهي آلة الدمار الغربية ويكون مُنصِفاً للشعب السوري وتضحياته في مواجهة الإرهاب، وأيضاً ليست بيد حلفاء سورية من إيران وحزب الله وغيرهما الذين يرضون بما ترضى به هذه القيادة ويرفضون ما ترفضه.
بل إن هذه الإجابة موجودة حصراً عند الولايات المتحدة الأميركية ومعها النظامان التابعان لها مباشرة في المنطقة: السعودي والتركي، وهنا تكمن العقدة الأساسية في ترجمة القرارات والتفاهمات الدولية إلى وقائع عملية.
يبدو أن النظام السعودي الجديد الذي يقوده فعلياً ابن ملكه محمد بن سلمان يستثمر في الوقت على حساب الشعبين السوري واليمني لإعادة ترتيب بيته الداخلي. فقد مرر مؤخراً نحو 51 أمراً ملكياً بتوقيع الملك وإن بدت بصمات محمد بن سلمان ظاهرة في موجبات ومضمون هذه الأوامر، ذلك أنها كرست مزيداً من إمساكه بمفاصل النظام وبالأخص منها مفاتيحه الاقتصادية بعدما كان قد شدد قبضته على مؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية ولم يتبقَّ سوى «الحرس الوطني» الذي يديره متعب بن عبد الله وهو هدفه المقبل الذي يتجهز للإطباق عليه لتمهيد الطريق للوصول إلى موقع رئاسة مجلس الوزراء كمقدمة محتملة لتنصيبه ملكاً.
من المؤكد أنه كان مستحيلاً على الملك وابنه إجراء كل هذه التغييرات الدراماتيكية في تركيبة النظام السعودي مع ما تستدعيه من حفظ لتوازنات عائلية من دون إشغال الشعب بالخوف على الوجود من جهة وترغيبه في المستقبل الزاهر والواعد بناءً على رؤيته للعام 2030 من جهة أخرى! ولذا يتم استحضار أزمات المنطقة والأعداء فيها كاليمن وسورية وإيران وحزب الله ومؤخراً روسيا كمادة سياسية وعسكرية وإعلامية يتقدم فيها الشعار الذي لطالما استهزأ به الساسة السعوديون كلما طرحته بعض القوى القومية والوطنية العربية مع أنه كان ومازال ضد عدو حقيقي محتل لأرض فلسطين، وهو «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»..
وفي الوقت نفسه يتقدم مشروع صعود ملك جديد في المنطقة: رجب طيب أردوغان، الذي يبدو أيضاً أنه بحاجة للاستثمار في الوقت «السوري» لتشريع هذا الصعود على المستويين الدستوري والسياسي. فقد نجح أردوغان في إجبار توءمه السياسي ومُنَظِّر رؤيته أحمد داوود أوغلو على الاستقالة من رئاسة الحزب الحاكم والأهم دفعه إلى الانكفاء صامتاً إلى جانب ثالثهما عبد الله غل مما يخلي له ساحة القيادة واختصار النفوذ والصلاحيات السلطوية كافة بشخصه، ما حدا ببعض مراكز التفكير الأميركية التأكيد أن تركيا ستتحول إلى نظام شبيه بالمملكتين الأردنية والمغربية ولو لم تحمل تسمية «مملكة».
كان من الصعب على أردوغان تصفية أقرب المقربين إليه سياسياً، وابتزاز الاتحاد الأوروبي وجره إلى التفاوض معه مجدداً من بوابة اللاجئين السوريين والمخاطر الأمنية والوجودية عليه بعدما كان هذا الاتحاد قد أغلق أبوابه بوجهه، كذلك كان مستحيلاً عليه أن يضع واشنطن في موقع المتمسك به رغم تململها من سياساته الداخلية والإقليمية وبالأخص منها تجاه العراق.. كل ذلك كان صعباً ومستحيلاً لولا انغماسه في الأزمة في سورية والتدخل الدموي في تأجيجها وإطالة أمدها ومن ثمَّ ترسيخ شخصه تحديداً حاجة أميركية وإقليمية لتأمين التوازن المطلوب على طاولة توزيع النفوذ الإقليمي والدولي وفقاً لأرجحية الميدان السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن