الأولى

«فيينا» للمجاملة.. واختبار النوايا

| كتب المحرر السياسي

ما أن انتهى اجتماع فيينا أول من أمس حتى بدأت المعلومات تتسرب عن خلاف روسي أميركي لم تظهره شاشات التلفزة، لكنه بدا واضحاً حين لم يعلن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بشكل واضح أي موعد قادم لعقد جولة الحوار الرابعة في جنيف.
الخلافات تبدو جوهرية هذه المرة بين اللاعبين الكبيرين، فموسكو التي تراقب عن كثب تصرفات وأكاذيب الولايات المتحدة الأميركية الداعمة للإرهاب والرافضة لأي إدانة للفصائل الإرهابية المعروفة وتعمل على محاصرة روسيا الاتحادية من خلال ذراعها العسكرية الدولية وهو حلف الناتو، باتت تدرك أن واشنطن ليست بعجلة لوقف الحرب على سورية.
وتشير مصادر دبلوماسية غربية تابعت اجتماع فيينا إلى أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري غير في تصريحاته تجاه فرض أجندة محددة لإطلاق عملية التسوية السياسية التي كان من المفترض أن تكون قد ترسخت بدستور جديد أو معدل في آب المقبل ليعلن أن هذا الموعد لم يعد مقدساً!
وتضيف المصادر: إن اجتماع فيينا كان اجتماعاً للمجاملة فقط والتقاط الصور دون أي محتوى يذكر باستثناء التذكير بالقرارات الدولية وضرورة تبني الحل السياسي، ورفضت واشنطن الضغط على أنقرة والرياض لوقف تسليح وتدفق الإرهابيين والمال، وهي تجد بذلك فرصة لإنهاك روسيا واستمرار العمل على محاصرتها دولياً وفرض العقوبات عليها، إضافة إلى تحميلها والجيش السوري مسؤولية القضاء على الإرهاب الذي زرعته ومولته، دون أن تكلف نفسها عناء الحرب التي أعلنتها فقط على داعش دون أن تفرضها، في تمثيلية باتت معروفة لدى موسكو والجميع.
إذاً فيينا، كان لاختبار النوايا وزراعة الأفخاخ، فمن جهة، الجميع يريد هدنة شاملة، وفي ذات الوقت، يريدون لهذه الهدنة أن تكون مبرراً لمزيد من التسليح والدعم المالي والعسكري للإرهابيين وما يسمونهم «معارضة معتدلة»، ومن جهة ثانية بات من الواضح أن واشنطن لم تعد تريد وقف الحرب قبل انتهاء إدارة باراك أوباما، بل تفضل ترحيلها إلى الإدارة القادمة نزولاً ربما عند رغبة شركائها في سفك الدماء السورية تركيا والسعودية.
لا جنيف قادماً في الأفق ولا مواعيد محددة حتى الآن، ويبدو أن دي ميستورا تحجج أمس باقتراب شهر رمضان حتى لا يعطي تاريخاً محدداً، فقد تعقد الجولة «قبل أو بعد» هذا الشهر في إيحاء منه أنه قد يذهب في إجازة طويلة نسبياً، بانتظار اختبار نوايا «الهدنة» وإدخال المساعدات الإنسانية بدءاً من أول حزيران كما اتفق المجتمعون في فيينا أو طالبوا، أو أن يدعو لجولة رمزية فقط للحفاظ على ما يسميه «زخم» المفاوضات الذي لم يكن في أي من الجولات موجوداً.
إنها «حرب النوايا» وحرب الأفخاخ السياسية، ووحدهم السوريون يدفعون ثمنها دماء ومدناً وبلدات وحصاراً اقتصادياً إلى أن يأتي الوقت الذي يعلن العالم فيه استسلامه عن تدمير سورية، ويشرع في تحالف دولي حقيقي يقضي على كل الإرهاب ومن دعمه وموله، وآنذاك فقط يمكن الحديث عن تسوية مرتقبة.
ويبقى أن الحليف والصديق الروسي مدرك جيداً لنوايا واشنطن ومن خلفها، فهو لا يدعم الرئيس بشار الأسد لأنه من الأساس لا يحتاج إلى هذا الدعم، لكونه مدعوماً وبالأرقام والنتائج من شعبه، وهو الرئيس الشرعي لدولة عضو في الأمم المتحدة شاء من شاء وأبى من أبى، بل يدعم الجيش العربي السوري الذي يقاتل على كل الجبهات حفاظاً على وحدة وسيادة الأراضي السورية وعلى كرامة وأمن السوريين أينما كانوا، وهذا الدعم من الجيش الروسي والحليف الإيراني لا يمكن أن يعني إلا النصر ولو طال قليلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن