ثقافة وفن

أرهقتني شخصية «ثريا» فهي كتلة متنقلة من الأحاسيس … رنا شميّس لـ«الوطن»: الفنان أكثر مسؤولية اليوم من قبل فالكبير والصغير بات يعرفنا في هذه الأزمة

| عامر فؤاد عامر

فنانة من الطراز الأوّل، تعمل على انتقاء أدوارها بعناية، وتبحث عن الجديد دائماً، وتقول عن نفسها بأنها ممثلة كوميديّة، وفي البحث عن الشخصيّات التي جسّدتها نجد الكثير من الاختلاف في طريقة أداء كلّ واحدة منها، فهي «مريم» في «ضبوا الشناتي»، و«نوال» في «الولادة من الخاصرة» وشخصيات متعددة في سلسلة «بقعة ضوء» لكنها تصرّ على محبتها للمسرح، فهو من يحرر الطاقة وتبقى على تفاؤلها في إمكانية تطوره في سورية، وفي السينما لا تبدو تجربتها كبيرة لكنها وعبر بطولتها «ثريّا» في فيلم «فانية وتتبدد» ظهرت بوجه سينمائي جدير بالثقة، الفنانة رنا شميّس» وفي حوار لـ«الوطن» تتحدث في نقاط كثيرة حول لغة الفنان، ومسؤوليّته، وعن جديدها للموسم الرمضاني، وعن تحفظها في العلاقة مع الإعلام.

كيف يمكن لفنان اليوم أن يقاوم، كيف لـ«رنا شميّس» ذلك؟
تأتي المقاومة من خلال «العمل»، وبكلّ تأكيد فكرة المقاومة متوافرة لدينا قبل ولادة الأحداث في سورية، وليست وليدة الوقت الحالي، وبالنسبة لي ولكوني أنثى في مجتمعي، فيعدّ هذا في إطار المقاومة أيضاً، في مجتمع يغلّب سيطرة الذكورة ويعممها.

عين المجتمع تلاحق الفنان دائماً، وهذا يرتب مسؤوليّة متجددة عليه، لماذا؟
«الفنان مؤثّر عبر التاريخ» إمّا بسبب طريقة التاريخ وكتابته وعرضه علينا كقرّاء، أحببنا فيه مسيرة فنانٍ ما، فأصبح مضرباً للمثل، أو من خلال بحثِ كلّ شخصٍ منا عن مُلهمه أو الشخص الأعلى بالنسبة له – وبحث وسعي الشخص هنا لتوسيع أفقه ومداركه طبعاً – فمفردات الإنسان تتطوّر، وتكبر مع مرور الوقت، ولذلك يحبّ الفرد منّا التمثّل بأحدٍ ما، والمتعافى منّا يرغب أن يكون فعّالاً في المجتمع، وكلّ ذلك يدور في فلك «أنا هنا» فالفنان عندما يقول شيئاً لا يستطيع المتلقي قوله، يكون مضرباً للمثل كأداةٍ ورمزٍ للتفريغ والتأثير.

أشير لتميّزك منذ كنت طالبة في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، واليوم بعد هذه التجربة إلى أي مدى تسعين للمحافظة على شخصيّتك الفنيّة التي تميّزت بها؟
الخوف والحذر أمران كبيران لديّ، وخاصّة في هذه المرحلة، فعندما أنظر للرصيد الذي أملكه؛ أزداد رغبة في المحافظة عليه أكثر، وكذلك أسعى لتنميّة الجانب الثقافي في الشخصيّة، فأصبحت مسؤولةً أكثر عن خياراتي، ولاسيما أننا محكومون بظرفٍ خاصّ في بلدنا اليوم، فالناس لا مجال لديها للترفيه الذي تقلّصت مساحته لعدّة أسباب، وجلوس المتلقي في البيت مدّة أطول زاد من علاقته مع الشاشة، وأصبح الكبير والصغير يعرفنا كفنانين، ويدقق زيادة على ما نقدّم، بالتالي المطلوب مني كـ«رنا شميّس» احترام ذهنيّة هؤلاء جميعاً، مع احترام الخطّ الذي حافظت عليه منذ بدايتي، ومن جهة ثانية لن أنسى احترام ما حققته الدراما السوريّة في السابق منذ أيام فنانيها الأوائل أمثال: «دريد لحام»، و«نهاد قلعي»، و«رفيق سبيعي»، وغيرهم، وحتى أكون منسجمة مع هذه اللغة يجب وعي وتقدير كلّ ذلك.

تدرسين كلّ أدوارك وبعناية، فماذا تقولين للممثل الجديد اليوم؟
إيّاكم والاستسهال، وادرسوا الخيارات، ولا تتعجّلوا، فالصحيح سيظهر، وكلّ شيء يأتي بسرعة سيذهب بسرعة، والشهرة ليست عيباً ولكن ارتباط الشخص بالمرحلة أهم بكثير، فالمطلوب من الممثل الجديد أن يتعب على شخصيّته ويبنيها جيّداً، ويطالع في الكتب، ويتدرب دائماً كفنان يملك أدواته، ويثقف عينه، ويشتغل في المسرح، وهذه نقطة أساسية، وعليه أن ينتبه إلى صفة «الصدق» في كلّ خطوة، والإيمان بما يقدّمه الممثل، ولا يكون العمل من أجل المال والشهرة فقط، فهذه معادلة لن توصله لطريقٍ سليم.

كيف يمكن تحديث المسرح ليختلف عن مرحلة المحاولات؟
يمكن من خلال النص المختلف أولاً، وعندما تتاح حرية التعبير أكثر ثانياً، وعندما يكون المردود المادي للممثل كافياً من جهةٍ ثالثة، فكلّ هذه الشروط ستجعل من المسرح لدينا حاضراً في سورية ومؤثراً بقوّة. وطبعاً هذا مطلوب من مديريّة المسارح والموسيقا لدينا في سورية، فالحلول ممكنة، وليست مستحيلة، وكنت أتمنى لو أن المسرح يسعى للتطوّر لدينا كما تسعى السينما السورية اليوم، من خلال طرحها لمحاولاتٍ جادّة في سنوات الأزمة، وأذكر منها فكرة «مهرجان دعم سينما الشباب»، وفكرة دعم هؤلاء الشباب ومنحهم الفرصة، فالتجريب مهمّ لنا. عموماً أنا متفائلة، وما زال الوقت متاحاً لنقوم بالتغيير في المسرح في سورية.

هل أنتِ راضية عن دور «ثريّا» في فيلم «فانية وتتبدد» من ناحية الأداء والتأثير؟
لا أستطيع أن أقيّم نفسي كممثلة لكن أحاول فهم التجربة، فقد لاحظتُ من ردّة فعل الناس على ما قدّمته منذ أيام تصوير مشاهدي في الفيلم، فقد كانت ردوداً إيجابيّة، وما كان يخيفني هو التقصير في إحساس الأمّ السوريّة أو العربيّة أو أي أم تعيش في الحرب، والخوف من أنني لا أجسّده كما يجب، وخاصّة أن شخصيّة «ثريا» عبارة عن كتلة متنقلة من الأحاسيس، وهذا شيءٌ أحببته كثيراً، فخلق تحدياً داخلياً وأرهقني لأكون كما يجب أن تكون ثريّا، ومع ذلك كنت مُستمتعة، وعلى الرغم من التعب المفروض على الشخصيّة عموماً وعلى ملامح الوجه خصوصاً، واللون الشاحب فيه، إلا أنني وجدت نفسي جميلة جداً فيه كأنثى.
لا يمكن أن أهمل يوم افتتاح الفيلم في دار الأوبرا، اليوم الذي لاحظت فيه ردّة فعل الجمهور، ولاسيما النساء اللواتي دخلن بكامل أناقتهن، وخرجن بدموع غيرت من ملامح تلك الأناقة، بسبب البكاء والتأثر، وبذلك شعرتُ أنني استطعت أن أسرق إحساس المشاهد، وهنا عليّ أن أشكر المخرج «نجدة إسماعيل أنزور» للثقة التي منحني إيّاها.

الفرصة السينمائيّة قليلة، ولكن ماذا تحدّثيننا عن تجربتك فيها أيضاً؟
شاركت في فيلم قصير من إخراج «رياض مقدسي» بعنوان «فلو» نال فضيّة مهرجان سينمائي في الأردن، وكذلك في الفيلم القصير «كبسة زر» وقد عرض على هامش مهرجان سينما الشباب في دورته الثالثة 2016.

ما الجديد اليوم، وأين سيتابعك المشاهد في دراما رمضان 2016؟
في مسلسل «لست جارية»، وفي «بقعة ضوء»، وثلاثية في «مدرسة الحبّ»، ولدي اليوم مرحلة قراءة لعمل درامي جديد لن أفصح عنه إلا في حينه، ومشروع مسرحي أعمل عليه وبانتظار المخرج ريثما ينهي انشغالاته.

أنت من الفنانين الذين عملوا في مهنة الدوبلاج، ما الذي استفدت منه؟
الدوبلاج ناحية مهمّة للتشغيل، وخاصّة للطلاب المتخرجين في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، فليس كلّ خريج فيه تتاح له فرصة للعمل أمام كاميرا الدراما فوراً، ولا يمكن أن نأخذ موقفاً من الدوبلاج ما دام لا بديل منه كفرصة عمل ومكسب للرزق، وبالنسبة لي أعتقد أن الناس تحبّ صوتي، والدوبلاج هو المساحة التي جعلتني اكتشف جمال صوتي، واللعب في الطبقات، فصنعت له الهويّة المطلوبة خلال عملي فيه. واليوم أعتبره تمريناً لي فأعود العمل فيه بين فترةٍ وأخرى.

مسلسل «علاقات خاصّة» ودورك فيه، هل تعتبرينه دورك المهم في الدراما؟
هو أحد الأدوار المهمّة التي أثّرت فيّ، فالدور مكتوب بقوّة، وهناك مشهد مهمّ قدمته في «مشهد العيادة»، وغامرت في هذا الدور لأن المخرجة هي «رشا شربتجي» ولولا أنها هي لما أقدمت عليه أبداً، فأنا لديّ ثقة كبيرة فيها.

«ضبوا الشناتي» هو أفضل عمل كوميدي جاء في الأزمة، فلماذا لم يأخذ حقه في العرض عربيّاً؟
لأن مصداقيته عالية، وقد فهمومه جيداً ولذلك لم يعرضوه، ووراء هذا العمل مبدعان اثنان د. «ممدوح حمادة»، والمخرج «الليث حجو»، فاجتماعهما يجعل من الممثل قادراً على التغريد للأقصى، ودلالات المسلسل كبيرة، ورمزيّته عالية، فقدّم الشارع كما هو، ووصف الحياة كما هي، ومنح الناس فكرة أننا سنستمر رغم كلّ الظروف القاسية والمرهقة، ويبدو أن هذا سبب كافٍ لعدم عرضه عربيّاً!

هل صدّر هذا المسلسل حالة من اليأس برأيك؟
سلّط الضوء على أسرة تعاني من الحرب، ومن وجهة نظر ثانية قدّم فكرة أن الهرب من الموت لا مفرّ منه، فهذه الأسرة وجدت الموت في مكان آخر بعيد عن البلد الذي يعيش الحرب. لكن العمل لم يشجع على الهجرة أبداً، كما يقول البعض، وعموماً مهمة الدراما منْحنا الأمل، والتحدّث عن وجعي، وعمّا يحدث معي.

دورك في مسلسل «لست جارية» هل يشبه دوراً قدّمته سابقاً، أم يحمل اختلافا كليّاً؟
لا أبداً لا يشبه أي دورٍ سابق، وهي صبيّة تعمل في صالون تجميل تعاني من النقص في حنان التربيّة، ومن مشاكل عانت منها كما عانى أخوها بسبب علاقة الأمّ والأب، وبالتالي تنمو على ردّة فعل ذاتيّة، وتتحول لأنثى مستغلة، وقويّة، وغريبة الأطوار.

لماذا أحببتِ سلسلة «بقعة ضوء» وهذا ما صرحت به سابقاً؟
بقعة ضوء يعني الحياة، والروح، وهو مساحة للتجريب، وأنا عموماً أحبّ الكوميديا، وفي «بقعة ضوء» خصوصيّة وعلاقة جديدة بالناس، كما أصبح طقساً من طقوس شهر رمضان عربيّاً، وليس محليّاً فقط، فهو عمل ممتع، والشخصيّة فيه تنتهي في اليوم نفسه، لأبدأ البحث عن شخصيّة أخرى فوراً، كما أنه يتحدّث عن أشياء لم يتحدّث عنها أي مسلسلٍ آخر، وهذه سمات نجدها في كلّ الأجزاء.

وجدنا لديك تحفظاتٍ في العلاقة مع الإعلام المحلّي، فهل يمكن لك الإيضاح؟
للأسف هناك شريحة من الإعلاميين لدينا في سورية تسعى للتجريب فينا كممثلين، فبعد إجراء المقابلة أو التصريح الصحفي أجد أن صياغة ما تكلمت به ذهبت في اتجاهٍ آخر، وهذا دليل أن الإعلامي لدينا يجرّب فينا كما يحلو له، وأنا أرى أن الإعلامي مكلّف بأمانةٍ تجاه الفنان، ولا يجوز أن نكون كفنانين بمنزلة مادّة مكملة والسلام! ولكن من جانبٍ آخر أُفاجأ ببعض الإعلاميين الواعين، وبقراءتهم السليمة، وأسلوبهم الصحيح. وما أريد الإشارة إليه هو أنه يجب أن يكون هناك خطّة مدروسة بين الممثل والإعلامي ليظهر العمل بصورة يفخر فيها الاثنان معاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن