ثقافة وفن

فرقة تخت شرقي الموسيقية النسائية… أصالة في التراث وعراقة في الموسيقا … هوازيني لـ«الوطن»: سورية حاضنة لكل جميل ومميز يمكن كسر المألوف في العزف والغناء من دون ما يمس جوهر تشكيلة الفرقة

| سوسن صيداوي

في التاريخ الحق المرأة حاضرة ومعنية ولكن ما سوّقت له بعض أنواع الدراما العربية التي انتشرت مؤخراً أدى إلى طمس العقول بأفكار غريبة بعيدة تماما عن الواقع ومشوهة بصورة مشينة لتاريخ المرأة السورية بشكل خاص، هذا ليس كلامي بل عودوا إلى التاريخ الحق وقلّبوا تجدوا صفحاته المرفق معها الصور تجدوا أن المرأة السورية كانت دائماً في الطليعة إلى جانب الرجل وبكل المجالات ولم تكتف مطلقاً بأن تكون مجرد ربة أسرة ومربية وزوجة بل طموحها خوّلها أن تسعى إلى كل المناصب ودرجات العلم، ومن بين الأمور كانت المرأة السورية موسيقية بارعة وهذا ما جاء الحاضر به ليطرق أذهاننا بالتذكير مبرهنا على الالتزام والسعي الجاد نحو بصمة قوية ومتميزة من خلال تفتّح مجموعة ورود من الشابات السوريات لينثرن عبيرهن الموسيقي من خلال أجمل تشكيلة للتخت الشرقي الموسيقي النسائي.

تعريف
منذ عام 2003 كانت البداية المغايرة لما هو معتاد ومألوف في الأوساط الموسيقية، وانطلقت مجموعة من الأكاديميات الموسيقيات حِسان الخلق والعلم والشعور المرهف ليشكلّن فرقة «تخت شرقي الموسيقية النسائية» حاملات على عاتقهن مسؤولية الحفاظ على التراث السوري الموسيقي، وكان لصحيفة «الوطن» لقاء مع مديرة الفرقة ديمة هوازيني التي قالت حول تأسيس الفرقة «في التاسع من نيسان عام 2003 وبدعم من مدير الأوبرا آنذاك الدكتور «نبيل اللو» ولضرورة حضور العنصر النسائي في الساحة الفنية الموسيقية تمّ تشكيل الفرقة، وكان ثمة شرط من شروط هذه التشكيلة الموسيقية هو أن يكون جميع الموسيقيات أكاديميات خريجات من المعهد العالي للموسيقا أو طالبات متميزات فيه، وكان في البداية تشكيل تجّمع لأصدقاء سواء من وفاء سفر أو وعد أبو حسون عازفة العود وخصاب خالد وغيرهن، وطبعا تمّ اختيار تشكيل العازفات بناء على تشكيل التخت الشرقي من الآلات: العود، القانون، الناي، والإيقاع، وتمت إضافة الوتريات الكمان والتشيللو والكونترباص لاحقا ليعزز البرامج الموسيقية التي تحتاج أحياناً إلى تشكيلة الرباعي الوتري مع فرقة تخت شرقي الموسيقية النسائية».

ثبات الآلات وتغيُّر المغنيات
على الرغم من تغيّر الظروف المرافقة لدوران ساعة الزمن وعلى الرغم من حدة تلك الظروف في الشدة أو اللين إلا أن ثبات آلات فرقة تخت شرقي الموسيقية النسائية هو أمر واقع ولا يمكن تبدّله على الإطلاق، ديمة هوازيني «هناك آلات ثابتة ولا يمكن تغييرها ولكن الذي يتغير هو أسماء العازفات بسبب الظروف ويكون الاستبدال بداعي السفر أو المرض، ولكن التغيير يكون في وجود المغنيات فهنّ غير ثابتات في الفرقة وهذا شيء طبيعي حسب برنامج الفرقة وطبيعته حيث يتم انتقاء المغنية حسب الصوت المناسب لأغاني البرنامج المقدّم فالفرقة دائماً تسعى لتقديم مغنيات يضفن الجديد إلى نمط الفرقة ولكن مع الاحتفاظ بأصالة الأغاني والموسيقا المقدمة».

التخت الشرقي الموسيقي… نسائي
ضرورة التركيز على أهمية الوجود النسائي السوري بشكل عام وحضوره في الوسط الموسيقي بشكل خاص كانت الشرارة الأولى لانطلاق الفكرة ومن ثم تطبيقها، ديمة هوازيني «اقتصر الوجود النسائي على الفرقة لسببين: الأول لأن الفرقة بالأساس هكذا تمّ تشكيلُها وهكذا أُسست، والسبب الثاني لأهمية إثبات أن العازفات والموسيقيّات قادرات على تغطية مساحة مهمة من التراث الموسيقي السوري، وقادرات على إعادة صياغته بإحساس أنثوي جديد، فالغرض ليس المنافسة بين الرجل والمرأة بل الغرض هو العزف والاستمتاع بتقديمه وتلّقيه وبالتالي يتم تقديم المرأة السورية عبر الموسيقا السورية بأجمل تمثيل في ظل تعتيم إعلامي كبير على المرأة العربية عموماً والمرأة السورية خصوصاً وهذه الفرقة هي لإضاءة جانب من الجوانب».

تنوع الآلات بحسب العروض
هناك عدد أساسي لآلات الفرقة ولكنها تختلف بالزيادة أو النقصان حسب العروض التي تقدمها الفرقة وطبيعة البرامج المقدّمة، ديمة هوازيني «العدد الكامل للآلات أو لأعضاء الفرقة هو ثمان إلى تسع، ويرافق العزف مغنيات وأحياناً كورال، وطبعا هذا العدد ليس بالضرورة أن يكون ثابتا فالأمر يختلف حسب البرنامج ونوع الحفل الذي سيتم تقديمه فإذا كان البرنامج شرقياً بحتاً فنحن نكتفي بتشكيلة التخت الشرقي الأساسية».

العزف على آلات أخرى… وارد
الاستكانة للموسيقا في العشق والاستمتاع بالعزف على آلاتها جعلت الكثير ممن جعلوا العزف أسلوبا حياتيا أو ممتهنا طريقا يعبرون من خلال آلتهم الخاصة للدخول إلى عالم مشابه من الإيقاعات والرّنات وغيرها ولكن بأصوات آلات أخرى تعلّموا عليها رافضين مبدأ التوحد الأبدي مع آلة فقط، ديمة هوازيني «هناك من العازفات مختصات بالعزف على آلة واحدة، على حين هناك عازفات تعلمن العزف على آلات أخرى غير التي تعلمن عليها في الأصل وهذا حصل في فرقة تخت شرقي مع العازفة «خصاب خالد» وهي من مؤسسي الفرقة وآلتها الأصيلة هي آلة «الهورم» حيث تعزف عليها بالأوركسترا، إلا أنها بذلت جهدا كبيراً لتصبح بارعة في آلة الإيقاع الشرقي «الرق».

العلاقة… صداقة
المهنية ليس بالضرورة أن تُبعد الجوانب الإنسانية في التعامل وهذه أمور بادية وتكون واضحة لنا نحن جمهور المتلّقين، ديمة هوازيني «العلاقة بين أعضاء الفرقة هي علاقة صداقة وهذا ملحوظ على المسرح وفي الكواليس حتى يمكن للجمهور أن يلمسه، والجو العام في الفرقة جميل فحتى لو دخلت عازفات جديدات فلا يتم التعامل معهن بغير أسلوب الصداقة فهذا أمر طبيعي بحكم الحضور معاً في ساعات البروفات والسفرات والبرامج، إذا كلٌّها تعزز من الصداقة وتوطدها».

الالتزام… ضرورة مؤقتة
الممارسة والامتهان يبسطان الكثير من الأمور ويسهلان المعوقات ولكن مهما وصل الشخص من براعة فإن عليه دائماً التدَّرب وبذل الجهد كي يحافظ على مستواه من الابتكار والمهارة وهذا أمر لا يمكن تجاهله بمن هم أشخاص لامعون في المجال مختصون به، ديمة هوازيني «طبعا هناك التزام في التدريب على العزف وعلى البرامج التي سيتم تقديمها وهذا أمر طبيعي حتى لو أن العازفات محترفات ولديهم ارتباطات أخرى، ونحن كفرقة نقوم بالتدريب لمدة ساعتين أو ثلاث ليومين أو أكثر في الأسبوع كما نكثف من ساعات التدريب أو البروفات قبل الحفل بشكل كبير بعد انتقاء البرنامج وهذا طبيعي في كل الفرق المجتهدة».

سورية حاضنة لكل جديد
كل ما هو فكر جديد أو تجربة جديدة في أي مجال ممكن أن يلاقي الترحيب وممكن أن يلاقي العكس، ولكن التصميم والإيمان بالفكرة هو سيد الموقف وهو من يُكسب الرهان، ديمة هوازيني «المجتمع السوري هو مجتمع حاضن للأفكار الجديدة وحاضن لفرقتنا أيضاً وهناك جمهور كبير يتابع أعمالنا وينتظرنا، فنحن بشكل دوري نحيي حفلات بدار الأوبرا وترحيب الجمهور واضح، ولكن رغم المحبة والاهتمام من الجمهور إلا أننا نصادف دائماً البعض والذين يأتون إلينا لمجرد التقييم وبالنسبة لنا هذا أمر عادي فنحن نسعى لنقدم الأفضل ونسعى إلى أن يخرجوا ولديهم انطباع بأن الفرقة ناجحة بطريقة انتقاء البرنامج وبطريقة الأداء».

الفرقة معنية بالتراث الشرقي
من الاسم الأمر واضح فالفرقة مهتمة بكل ما هو شرقي وطربي ويهمها أن يتم تقديمه بطريقة أنثوية مفعمة بحنو المشاعر ورقة الإحساس، ديمة هوازيني «الفرقة معنية بتقديم التراث الموسيقي الطربي وهذا هو الهدف الأساسي للفرقة حسب تشكيلها الموسيقي، ونحن نحاول تقديم مساحات موسيقيّة تحيي التراث حيث قدمنا مجموعة من البرامج لتكريم العمالقة كتكريم المغنية وردة وتكريم سعاد محمد، وهذا لا يمكن حصره بالبرامج الغنائية بل نحن معنيون بالتراث حتى من خلال تقديم مقطوعات آلية، كما أنه لا مانع من التطوير مع المحافظة على الجوهر الموسيقي الأصيل للمعزوفات».

إمكانية الخروج عن المألوف
كسر العادة وما هو متعارف عليه أو مألوف ليس بالأمر السهل وكي يكون الخروج عما هو مألوف… مألوفا وغير مستغرب يجب أن يبقى في السياق نفسه أو أن ينطلق من المضمون نفسه وهذا ما حدث مع فرقة تخت شرقي الموسيقية النسائية عندما خرجت لأول مرة عمّا هو مألوف، ديمة هوازيني «كسرنا المألوف في عيد المرأة العالمي بحفل تم في دار الأوبرا في دمشق، ومن وحي المناسبة بحد ذاتها، ففي هذا اليوم ليس من المفروض أن يتم الاحتفال به من النساء فقط لهذا شاركنا عدة عازفين من الشباب مع الاحتفاظ بالعازفات اللواتي هُنّ من أصل الفرقة، وكانت تجربة موفقة وكذلك الأداء موفق بالحفل، ولكننا في الواقع لا نستطيع أن نخرج عن رمزية تشكيل الفرقة وخصوصيتها وعند تكرار هذه التجربة فإننا سنستضيف مثلاً عازفاً أو مغنياً من دون كسر خصوصية الفرقة».

حضور عربي وعالمي
التميّز في الفكرة والطرح إضافة إلى المواظبة على التدريب وابتكار ما هو جديد ومزجه مع التراث الأصيل من دون المساس بالجوهر كلّها أمور دفعت بفرقة تخت شرقي الموسيقية النسائية أن تكون فرقة مميزة وتنال العديد من التكريمات والجوائز، ديمة هوازيني «حصلت الفرقة على العديد من التكريمات مثل الأسبوع الثقافي في بغداد، وفي سلطنة عمان ضمن احتفالية المرأة العالمي، كما تمّ تكريم الفرقة في الأسبوع الثقافي في موسكو/ روسيا، وآخر تكريم كان في خان أسعد باشا في دمشق في أيام التراث السوري».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن