ثقافة وفن

ملامح حاضرة في مناهضة اليأس والحزن.. خصوصية أدبية وتجربة في أجناس متعددة … ياسين رفاعيّة.. بين دمشق وبيروت والعديد من المحطات المهنية

| عامر فؤاد عامر

تبدو ملامح المقاومة حاضرة في حياة الراحل «ياسين رفاعية» نسترجع أعماله ومسيرته المهنية من خلال محطات حياته العمليّة التي قضى جلّ وقته فيها يقدم ويجتهد ويخدم الوطن في كل ما أمكنه من إخلاص وتفانٍ. الأديب «رفاعية» من مواليد مدينة دمشق عام 1934، عمل كمحرر صحفي في بداية حياته المهنية واستمرت مهنة الصحافة ترافقه في معظم محطات حياته، فكانت البوابة التي قدّم لها وقدّمت له، فقد عمل سكرتير التحرير في مجلة المعرفة في دمشق، ورئيساً للقسم الثقافي في مجلة الأحد في لبنان وله الكثير من المقالات في الصحف العربية الصادرة في بلادنا العربية، وبين دمشق وبيروت كانت معظم حياته وتنقلاته التي حصرت فيها معظم محطات حياته وذكرياته، ولندن التي أمضى فيها 15 عاماً، ومنه نفهم العلاقة بالمكان والرغبة في تقدير البلد الذي يرتبط فيه فكان من إنتاجاته الأدبية المزيد حول خصوصيّته في المكان وحبّه له والمقارنات بين الماضي والحاضر وما كان وما هو عليه. مثل ما نلاحظه في المجموعة القصصيّة «العالم يغرق» التي أصدرها في عام 1977 وفي كتابه الأخير «ياسمين» الصادر في عام 2015 والذي يخصص موضوعه في ابنته الراحلة.

أمل
أهم محطات حياته التي يمكن الوقوف عندها العلاقة والحياة الزوجيّة التي جمعته مع الشاعرة أمل جراح، وقد ذكر الراحل في مقالٍ نشره في صحيفة الثورة في ذكرى وفاتها نذكر منه: «…بجوار قبر أبيها في مقبرة الشهداء في بيروت التي تضم تحت ترابها وأشجار صنوبرها مئات الشهداء من بينهم غسان كنفاني والشاعر كمال ناصر، أجلس خاشعاً أمامه كأنني في صلاة، وكنت منذ أفولها قد طلبت من موظف في المقبرة أن يعتني بنظافة القبر، وغسل رخامه بالماء النقي كل يوم مع تزيينه باستمرار بالآس الأخضر وشعاب البخور تفوح رائحته إلى مدى بعيد بين القبور وذلك مقابل مبلغ شهري مجزٍ وضعته في تصرفه، ولم يتردد الشاب لا من أجل المرتب الشهري بل لأنه عرف قيمتها الشعرية…».

الغفران
أمّا المحطة الثانية فكانت في العلاقة التي جمعته مع ابنته والتي تكللت بالكثير من المشاعر المرّة لكنها حصدت الغفران والرضا والتسامح في المرحلة الأخيرة منها وقبل وفاتها وإثر إصابتها بمرضٍ عضال كان نفس المرض الذي أصاب زوجه «أمل الجراح» ورحلت بسببه من قبلها، ولربما فقده لهاتين الأنثيين منحه الكثير من الهدوء والتأني والرضا والتأمل في قسوة الحياة والرغبة في مقاومة اليأس ومنعه من التسلل إلى روحه. وهذا ما يتبين في آخر عملٍ روائي «ياسمين» الذي يخوض فيه التناقض بين الغرب والشرق وثقافتين مختلفتين جذريّاً عبر حكايته الذاتية حيث تتطرق الرواية إلى قصة حبّ جمعت بين ابنته لينا والشاب الإنكليزي جون وهذا الحبّ الذي خلف صراعاً حاداً بين القيم الشرقية والغربية والحرية عند الإنكليزي زوج ابنته ووالد أولادها الثلاثة.

بعض مما قيل فيه
تذكر الشاعرة «عناية جابر» عنه وهي آخر من حاور الأديب «ياسين رفاعية» ما يلي: «رغم لطف رفاعية ودماثته لمن يعرفه عن قرب، ظل بعيداً عن أجواء الشلل والجماعات بالمفهوم الصاخب للكلمة، مكتفياً بحب بيروت والتسكع في شوارعها، هي التي احترمت رأيه ومعتقده السياسي والفكري والأدبي، وهيأت له رغد الكتابة والتأليف والنشر، والحب والوحدة والعزلة إلى حد، واحترمت خصوصياته على ما يرغب ويشتهي».
مما جاء في مقال الكاتب «حسين بن حمزة» عن الراحل رفاعيّة أيضاً: «… ظل ياسين رفاعية يغرف من ماضيه ومن سيرته ومن سيرة بيروت التي احتضنته. كتب شعراً أو نصوصاً ذات نفَس شعري كما كان يسميها، وكتب القصة والرواية، وظل يعمل في الصحافة، وأصدر أكثر من عشرين كتاباً. كتب عن زوجه، وأعاد نشر روايتها «الرواية الملعونة» التي فازت بجائزة مجلة «الحسناء» سنة 1968. وفي كل ذلك، ظل رفاعية يشبه نفسه وذاكرته وسيرته. كأن كل تلك الكتابات ترابطت بينها بقوة تلك الذاكرة وتلك السيرة. سيرة وذاكرة لم يُكتب لهما الالتحاق بالتطورات والانعطافات التي حدثت في الرواية المعاصرة، ولم يُكتب لصاحب السيرة والذاكرة أيضاً أن يعيش شيخوخة كتّاب الصف الأول، وأن يحظى بصيت وبريق وترف رحيل هؤلاء أيضاً..».
أما صديقه شوقي بزيع فقال أيضاً: «… كأبطال الأساطير عاش ياسين رفاعية، وكأبطال الأساطير قضى ياسين بجلطة عنيفة في الدماغ، في أحد مستشفيات بيروت. غريباً وشبه وحيد، ذهب الفارس الدمشقي، الذي اتخذ منذ يفاعته من بيروت التي أحبها سكناً له، إلى حتفه الأخير، بعدما أنفق كل ما في جعبته من نهم للحياة، ولم يدخر قروشه البيضاء لأيامه السود…».

خصوصيّته الأدبية
يتميّز «ياسين رفاعية» بخصوصيّته الأدبيّة، فمشاعر الحزن واليأس ومناهضتهما تتجلى في مجموعته القصصية الأولى «الحزن في كل مكان» والتي يشير فيها إلى أنه لم يلق فرحاً حقيقياً حيثما التفت بل نجد ذلك في كل مؤلفاته. في هذه الخصوصية أيضاً علاقة وطيدة بين الزمان والمكان اللذين يخصّانه، وعن الحبّ والمشاعر والعواطف والهواجس والتي جمع فيها بين الوطن والمرأة ولذلك نراه يعرج في كتاباته على الأسرة وموضوعاتها وعلى المدن كرمز في حياة العرب كبيروت ودمشق والعلاقة بينهما وفي حركة الزمن في كلّ منهما وفي الحارة الشاميّة وقصصها وجمال موروثها وحكاياتها والكثير من التفاصيل الغنية التي كان يعتني فيها، ومن الملاحظ أيضاً أن الأديب كانت له تجربته في القصة والقصة القصيرة والشعر والرواية وقصص الأطفال، ونذكر من مؤلفاته في القصة: المجموعة القصصيّة «الحزن في كل مكان» الصادرة في عام 1960 و«العصافير تبحث عن وطن» الصادرة عام 1979 وهي قصص للأطفال، والمجموعة القصصية «الرجال الخطرون» الصادرة في عام 1979 و«الورود الصغيرة» في عام 1980 وهي مجموعة قصص للأطفال. و«الحصاة»- 1990- قصص.
وفي الشعر أيضاً نذكر: «جراح»- 1961- شعر و«لغة الحب»- 1983- شعر «حب شديد اللهجة»- 1994- شعر «كل لقاء بك وداع»- 1994- شعر «أُحبك وبالعكس أُحبك»- 1994- شعر- «أنت الحبيبة وأنا العاشق»- 1996- شعر.
وفي الرواية نذكر: «الممر» الصادرة في عام 1978 و«العصافير» الصادرة عام 1979 و«نهر حنان»- في عام 1983 و«وردة الأفق» في عام 1985 و«دماء بالألوان» في عام 1988- و«رفاق سبقوا» في عام 1989و«رأس بيروت» في عام 1992 و«امرأة غامضة» في عام 1993 و«أسرار النرجس» في عام 1998 ومصرع الماس التي ترجمت إلى الإنكليزية.
يذكر أن ياسين رفاعية توفي في 23 أيار 2016 عن عمر يناهز 82 عاماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن