أردوغان؛ تكسرت أجنحته وبدأ يفقد توازنه
| د. قحطان السيوفي
العلاقة بين تركيا والعرب ملتبسة ومعقدة، لأسباب عدة أولها الميراث التاريخي للهيمنة التركية على المنطقة عبر قرون من الاستعمار العثماني… وثانيها إقامة تركيا علاقات إستراتيجية وعسكرية مع إسرائيل… وثالثها أن تركيا عضو في حلف الأطلسي وتسعى لاستعادة دورها في المنطقة العربية حتى يكون بمنزلة أوراق اعتماد قوية تتقدم بها إلى الاتحاد الأوروبي الذي يرفض عضويتها… وازداد الوضع تعقيدا وإرباكاً؛ مع تخبط تركيا أردوغان في مشاكلها الداخلية، ومع جيرانها جنوباً مع سورية والعراق وشرقاً مع روسيا جارها القوي… ومع إعلان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو؛ أنه سيتنحى من رئاسة الحزب الحاكم، ومن رئاسة الوزراء… تتكسر أجنحة أروغان وأحلامه في بداية مرحلة فقد التوازن… ليدفع تركيا باتجاه المنحدر، السبب الأهم لاستقالة أحمد داود أوغلو هو النزعة الديكتاتورية لأردوغان الذي يحاول احتكار السلطات التنفيذية بعد نحو مئة سنة من تركيز السلطات لدى رئيس الوزراء.
المراقبون يرون أن خروج داوود أغلو من الحكم يهدد وجود الحزب والعلاقات مع أوروبا… وسيدفع أردوغان الثمن في النهاية.
أردوغان لا يريد شريكاً في زعامته، في «حزب العدالة والتنمية» ولا في قيادة تركيا، لم يخفِ أردوغان رغبته كديكتاتور في تحويل تركيا إلى النظام الرئاسي ليصبح مطلق اليد في كل شيء. وهو بدفعه داود أوغلو إلى الاستقالة، بدأ عملياً تنفيذ الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي قبل تعديل الدستور.
نُشِر تقرير على شبكة الإنترنت، لأحد مناصري أردوغان، يتهم داود أوغلو بأنه «متورط في مؤامرة غربية لإسقاط أردوغان». وأفضى هذا التوتر إلى إزاحة داود أوغلو من المشهد السياسي.
ويستمر التوتر بين الاتحاد الأوروبي والرئيس أردوغان… وقال أردوغان في خطاب في ملاطية جنوب شرقي البلاد، إن «من ينتقدوننا انتهى بهم الأمر إلى تهميش الديمقراطية والحريات حين بدأت القنابل تنفجر على أراضيهم».
داود أوغلو لمّح أخيراً إلى أنه يبقى مستعداً لدخول مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني لإنهاء التمرد وأعمال الإرهاب والعنف. وهذا ما أغضب أردوغان الأكثر تشدداً إزاء الأكراد، أردوغان السلطان العثماني ديكتاتور مستبد… فالحرب التي شنها على حرية الصحافة في تركيا، جعلت من تركيا في عهد أردوغان (شبيهة بجهنم).
كما ورد في الفاينانشال تايمز؛ الصحفيون يُعتَقلون ويُحاكمون ويُحكَم عليهم بالسجن، وحرياتهم تتقلص يوماً بعد يوم.
الحرية الأكاديمية تُقمَع أيضاً، قبل أسبوعين مَثل أربعة من أساتذة الجامعة أمام القضاء، والتهمة الإرهاب، لكونهم قاموا بتوقيع عريضة تدعو إلى العودة للتفاوض مع حزب العمال الكردستاني.
تركيا أردوغان قدمت نفسها نموذجاً لدول الربيع العربي… دخلت تركيا طرفاً في الصراعات المحلية والإقليمية، من ليبيا إلى مصر والعراق وسورية.
تسلح وتدعم الإرهابيين المرتزقة ضد شعوب هذه الدول… ولم يتوانَ أنصار أردوغان عن الضغط لعودة العلاقات مع إسرائيل… تركيا اليوم في مواجهة حامية مع روسيا الجار القوي… كما أن أردوغان على خلاف مع إيران حول قضايا عديدة…. «سلطنة أردوغان» محاطة إذاً
بعدد وافر من الأعداء… حيث سمح أردوغان للإرهابيين التكفيريين بالعبور إلى سورية ودعم الإرهاب ومموليه ضد الشعب السوري…. وستكون تركيا أردوغان أول الخاسرين مع انتصار الدولة السورية وجيشها… إذ سيشكل ذلك ضربة قاسية لطموحات أردوغان ودوره في الإقليم
كله… وسيتدفق آلاف اللاجئين ومعهم مزيد من المقاتلين الإرهابيين الذين سيضاعفون عملياتهم في أراضي «السلطان»، «دواعش» الداخل و«دواعش» الخارج!
أردوغان دخل في مغامرة لم يحسب عواقبها، بتحالفه مع «الإخوان المسلمين» في مصر وفي دول عربية مختلفة… ودعمه لكل محاولاتهم في زعزعة الاستقرار ونسج المؤامرات. ويبدو أن إعراض أوروبا عن تركيا وفشلها في دخول الاتحاد الأوروبي الذي وقف أردوغان ذليلا على أعتابه… قد أحدث رد فعل قوياً لديه، جعله، يبحث عن مشروع بديل يرضي أحلامه وهوسه الأيديولوجي… وكان مشروع جماعة الإخوان المسلمين ليمارس أردوغان من خلاله وصاية على عمق عربي… وقد انتهى ذلك بالفشل…
أردوغان الديكتاتور مُتردد ومُحبط… فهو يتودد لإسرائيل ليتصالح معها… وهو يحاول تصحيح علاقاته مع الإمارات؛ بعد أن كان قبل فترة قصيرة يكيل لها الاتهامات… وهو يتراجع بقوة في موقفه من روسيا بعد أن صعَّد عداءه معها إلى حده الأقصى قبل بضعة أشهر… التطورات الدراماتيكية أفقدت تركيا وستفقدها المزيد من استقرارها وأمنها كرد فعل على سياسات أردوغان الداخلية والخارجية المتخبطة والعدائية بمجملها… وجعلته يمضي في مواقفه العدائية حيال أطياف مجتمعه وجيرانه والمنطقة، وسورية بشكل خاص. باختصار بدأت مسيرة حزب أردوغان بإستراتيجية «صفر مشاكل» مع دول الجوار عموماً. لكن هذه الإستراتيجية انهارت سريعاً مع إخفاق ما سُمي «الربيع العربي»، ودعم أردوغان للإرهاب في سورية… كما تفجّر الوضع داخلياً مع الأكراد، وحزب «العدالة والتنمية» بدأت تضربه الشقاقات. والاقتصاد التركي ضعيف؛ إذ تتعرض الليرة التركية لهزات تضعفها، بمجرد إعلان داود أوغلو اعتزامه ترك منصبه… تكسرت أجنحة أردوغان وطموحاته، وبدأ يفقد توازنه، وهو يدفع تركيا باتجاه المنحدر.