هل يكون 25 أيار نهاية التشكيك بالموقف الروسي؟
| القاهرة – فارس رياض الجيرودي
شكلت الهدنة التي رعتها روسيا على الأرض السورية بالشراكة مع الولايات المتحدة مناسبة لإطلاق موجة جديدة من التشكيك بحقيقة الأهداف الحقيقية التي تضمرها القيادة الروسية من وراء تدخلها العسكري في سورية، ومدى مطابقتها لأهداف سورية وحلفائها في محور المقاومة، خصوصاً أن الحرص الروسي على الهدنة تزامن مع تصريحات إيرانية حاسمة تبدي استعدادا لدعم معركة الجيش العربي السوري حتى تطهير كامل حلب وريفها، ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تنطلق فيها موجة تشكيك بالموقف الروسي من داخل الوسط الإعلامي المحسوب على محور المقاومة، ويبدو أن تلك الموجة ستنحسر (كما انحسرت سابقاتها)، تزامنا مع ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية من أن الرد الأحادي على خروقات الهدنة سيبدأ في 25 أيار الحالي (اليوم)، إلا أن ما سبق يثبت مرة جديدة أن قسما مهماً من إعلاميي محور المقاومة لم يستوعب بعد تعقيدات الحرب الحالية التي تخوضها سورية وحلفاؤها ضد الجماعات التكفيرية ومن يقف خلفها من الداعمين وخصوصاً السعودية وتركيا وقطر، وأن مواجهة ذلك تستلزم العمل على خطي الحرب والسياسة بشكل متواز، وتوزيعا منسقا للأدوار والمواقف بين الحلفاء، بحيث يظهر أحدهم أكثر تشددا والآخر أكثر مرونة دون أن يعني ذلك خلافا في الأهداف النهائية، ولو عنى في بعض الأحيان اختلافا طبيعيا في وجهات النظر.
لقد سال كثير من الحبر وعلت الأصوات في الحديث عما حصلت عليه المجموعات الإرهابية بسبب الهدنة من الوقت لإعادة ترميم صفوفها في جبهة حلب وريفها، لكن غفل هؤلاء المتحدثون عن أن الهدنة وما رافقها من مفاوضات سياسية أديا على الجانب الآخر إلى جملة مكاسب للدولة السورية أهمها تحصيل إجماع دولي على تصنيف النصرة على أنها تنظيم إرهابي ولو نظرياً (ما نتج عنه توسيع الشقاق وتأجيج الصدام بينها وبين الجماعات الأخرى في غوطة دمشق)، إضافة إلى عزل داعش والاستفراد فيها ولو مؤقتا، ما مكن من طردها من تدمر أهم المدن الإستراتيجية التي استولت عليها داعش في سورية منذ ظهورها، وذلك خلال وقت قياسي عشرة أيام فقط، فتعقيد الحرب في سورية وطبيعتها الاستنزافية تستلزم خوض جولات متعاقبة من القتال والمفاوضات هدفها محاولة تخفيض كلفة القضاء على الجماعات الإرهابية عبر تقديم عروض متتالية للنزول عن الشجرة لداعميها مقابل تنازلات شكلية لحفظ ماء الوجه من جهة، ومحاولة عزل الجماعات الإرهابية عن بعضها عبر اللعب على وتر تناقض المصالح بينها من جهة أخرى.
إن استعراض سجل المواقف الروسية من الأزمة السورية وما تكبدته روسيا من أثمان مقابل موقفها المتدحرج من دعم الدولة السورية سياسيا في أول الأمر، وصولاً إلى المشاركة العسكرية المباشرة في القتال معها أخيراً، يثبت لنا أن الموقف الروسي (كما الإيراني) ليس مجرد دفاع عن حليف، أو مناورة لرفع السعر في بازار المواقف السياسية، فالأرقام تشير إلى خسائر فادحة تكبدها الاقتصاد الروسي (حوالي 750 مليار يورو) بسبب لعبة إغراق السوق النفطية بهدف خفض سعر برميل النفط وذلك خلال عامين فقط، تلك اللعبة التي مارستها السعودية عقابا لروسيا بسبب موقفها في مجلس الأمن من سورية تحديداً، وإضافة إلى ذلك تفجير الوضع في أوكرانيا الساحة الخلفية لروسيا، لكن ما سبق دفع روسيا عوض التراجع، إلى الانتقال من الدعم غير المباشر إلى الدعم المباشر، بما يؤكد أن معركة سورية تصنف في دوائر صنع القرار الروسي على أنها معركة أمن قومي روسي، ، فالإدارة الروسية تدرك أن نجاح الولايات المتحدة وحلفائها من الأنظمة الإقليمية في إسقاط الدولة السورية يعني خللاً في موازين القوى العالمية غير قابل للعكس أو الإصلاح، ونجاحا بالتالي لأسلوب إشعال الثورات المسلحة الذي اتبع في سورية بعد إخفاق مسلسل «الثورات الوردية» في شرق أوروبا بالوصول إلى أسوار روسيا.
وبناء عليه أدركت روسيا أنها ستضطر حتما للقتال داخل حدودها إذا لم تقاتل في سورية، فجيوش الإرهابيين المؤدلجين بالفكر الوهابي والمدعومين بالمال الخليجي وبمعسكرات التدريب وقواعد الانطلاق وخطوط الإمداد التركية سيكتسبون إن هم انتصروا في سورية دفعاً معنوياً ومادياً كبيراً، وسيكونون أكثر جاهزية لاقتحام أراضي الفيدرالية الروسية مما كانوا عليه في التسعينيات عندما اندلعت حرب الشيشان، ولا شك أن الكرملين لم يتوصل إلى هذه النتيجة إلا بعد سنوات طوال من التفاوض مع الدوائر الغربية، وبعدما اتضح له بشكل قاطع أن الغرب لن يقبل بأي مستوى من مستويات تقاسم المصالح والتسويات تحت سقف الندية مع روسيا، وبأن العقلية الإمبريالية لن تقبل بأقل من العمل على استمرار التوسع في الاستحواذ على ثروات العالم، وعدم التردد في سبيل ذلك في العبث بأمن ومصالح كل الدول الواقعة خارج المنظومة الغربية، فهل سينتهي التشكيك بموقف الحلفاء الروس بعد الخامس والعشرين من أيار؟