قضايا وآراء

بدءاً من اليوم روسيا «تحتفظ بحق الرد» .. الأحـــداث تنبـــئ عنهـــــا ظلالهــــــا

| عبد المنعم علي عيسى 

يكشف الصراع الدائر بين جيش الإسلام وجيش الفسطاط (تأسس 15 آذار 2016 من اتحاد فصائل يغلب عليها الهوى القاعدي) في الغوطة الشرقية منذ 28 نيسان 2016، جزءاً مهماً مما يدور في خلد الدول الإقليمية الداعمة لكل طرف من الأطراف المتحاربة، على حين أن احتدامه (حتى 17/5 سقط 1000 قتيل و5000 جريح من الطرفين) يمكن أن يضيء على الحسابات التي يمكن أن تكون قد أجرتها تلك الدول على سياساتها، أما التعقيدات التي بلغها (ذلك الصراع) فهي تظهر بوضوح عبر فشل الدوحة التي أنشأت غرفة عمليات مصالحة دائمة 24/24 دافعة بالداعية السوبر يوسف القرضاوي لأن يدلو بدلوه هو الآخر ليخرج هذا الأخير إلينا ببيان أصدره 19/5/2016 ويفتي فيه بحرمة اقتتال الأخوة وكأن من أفتى بقتلهم بالأمس لم يكونوا إخوة أيضاً وكأنهم لا ينتمون إلى تراب هذا الوطن أو هوائه، وكأنهم لم يكونوا قد تزاوجوا (وتصاهروا) مع شركائهم الذين يحرضهم القرضاوي الآن عليهم، أو كأن بيوت الله لم تجمعهم معاً أو أن أكتافهم (وأرواحهم) لم تكن منصهرة في ساحات تشرين أو في رد عدوان 1982 عن لبنان.
الآن بات من الممكن القول إن التحالف السعودي- التركي الناشئ في آذار 2015 والذي أثمر عن ولادة جيش الفتح 24/3/2015 أي قبل أقل من 24 ساعة من إعلان الحرب السعودية على اليمن ذلك التحالف لم يعد قائماً بالشكل الذي كان عليه في أعقاب الإعلان عنه.
لم يرق تأسيس جيش الفتح لجيش الإسلام على الرغم من أن كليهما مدعوم سعودياً إلا أن الحسابات هنا تختلف بين الاثنين، فالرهان السعودي يقوم بالدرجة الأولى على جيش الإسلام وما يمكن أن يقوم به جيش الفتح فهو يجب أن يكون في خدمة الدور الذي يؤديه ذلك الجيش وهو ما تنبه إليه القائمون على جيش الفتح مبكراً ما يفسر رفض هؤلاء لطلب جيش الإسلام بالانضمام إلى جيشهم الوليد مرتين متتاليتين فالخشية هي أن يستطيع المطالبون بالانضمام الهيمنة سياسياً وعسكرياً على التركيبة الجديدة بفعل دعم سعودي مطلق وبلا حدود، ثم إن هناك نقطة أخرى تعيق الاندماج أو التساكن بين الاثنين وهي تعود إلى الاختلاف في المناهل التي يشرب كل من الطرفين، فجيش الفتح يتبنى الفكر القاعدي ومرجعيته تعود إلى قيادات خراسان، أما جيش الإسلام فهو يتبنى فكر ابن عثيمين (محمد بن صالح العثيمين ت 2001 وهو صاحب وجهة نظرة في الوهابية ويقول بوجوب العودة إلى أفكار جهم بن صفوان على الرغم من أن محمد بن عبد الوهاب قد أقام مذهبه برمته على أفكار هذا الأخير إلا أن ابن عيثمين يقول إذا ما كان الماء موجوداً فلماذا التيمم؟ وهنا لا نريد أن نقول إن دوافع ذلك الصراع هي إيديولوجية إلا أن هذه الأخيرة تشهد تلك الدوافع السياسية بالدرجة الأولى.
من الممكن لنا أن نلحظ أن امتدادات هذا الصراع الإقليمي في النسيج الدولي في العديد من قطباته المكونة له والتي كان آخرها اجتماع فيينا 17/5/2016 والذي يمكن وضعه تحت عنوان عريض هو صفر نتائج أو مراوحة في المكان على أفضل تقدير، فهو يدعو إلى إلزام الفصائل المسلحة بقرار وقف إطلاق النار إلا أنه يشترط لذلك أن تكون تلك الفصائل موافقة على هذا القرار، والجميع يدرك أن أمراً كهذا مستحيل أن يتحقق إذ كيف يمكن لجبهة النصرة «مثلاً» أن تخرج سكيناً من جيبها وتذبح بها نفسها من الوريد إلى الوريد كما تفعل بالآخرين؟ ويدعو البيان أيضاً الفصائل المعتدلة «!!» إلى فك ارتباطها مع التنظيمات المتطرفة والتكفيرية، والجميع أيضاً يدرك (في الذروة منهم الأميركان أيضاً) أن عملية فك الارتباط بين تلك الفصائل والتنظيمات المتشددة سوف تكون بمنزلة نزع أسلحة قسري لتلك التنظيمات التي لن تستطيع الصمود، وقبل أن يجف حبر البيان الذي أصدرته لتعلن فيه انفكاكها الافتراضي ستكون قد لحقت بأقرانها كحركة حزم أو الفرقة (13) وسواهما، أما الدعوة (التي وجهها البيان أيضاً) إلى الفصائل المسلحة طالباً منها جعل قرار وقف إطلاق النار قراراً دائماً فهي دعوة أخلاقية تصلح لأن تصدر عن جمعية خيرية ولا قيمة عملية لها إذا لم يكن الداعون إليها يمتلكون آلية عقابية لمحاسبة المتمردين على تلك الدعوة.
باختصار يمكن القول إن بيان فيينا 17/5/2016 لا يعدو أن يكون أكثر من إشارة من جملة الإشارات التي لم تنفك واشنطن ترسلها منذ حين ومفادها أنها لا تجد نفسها مستعجلة فيما يخص الأزمة السورية ليترك الأمر برمته إلى إدارة أميركية جديدة ستدخل الحكم في العشرين من كانون الثاني 2017 ولن يكون بمقدور طاقمها ارتداء «بزات العمل» قبل أن يحل صيف العام القادم في مثل هذه الأيام.
دولياً يمكن القول إن التوافق الروسي- الأمريكي الذي حدث في أعقاب زيارة جون كيري إلى موسكو 15/12/2015 هو أيضاً لم يعد قائماً بالشكل الذي كان عليه حتى الإعلان عن الهدنة السورية 27/2/2016، فقد عانى (ذلك التوافق)، مطبات وعوائق كثيرة قبل أن تتم عملية إطلاق رصاصة الرحمة عليه من سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي الذي قال في 20/5/2016، «نحن نحتفظ بحق الرد على من يخرقون الهدنة بدءاً من 25/5/2016»، وهو تصريح مهم ويحمل العديد من المؤشرات أو الدلالات ولعل موسكو أرادت عبره أن ترسل جملة من الرسائل كأن تقول بأنه إذا ما ظلت المعالجات المعمول بها للأزمة السورية قاصرة هكذا فإن من الأفضل إطلاق رصاصة الرحمة عليها بدلاً من أن تبقى في مرحلة موت سريري طويل، وكأن تقول أيضاً إنها (موسكو) لن تستطيع أن تبقى هكذا في ردهات الانتظار ترقباً لخديعة جديدة على شاكلة ما حدث في تلة العيس وفي خان طومان.
على الأرجح فإن موسكو باتت متيقنة بأن الرهان على إنجاز شيء ما في ما تبقى من عمر الإدارة الأمريكية الحالية هو رهان خاسر وهو الأمر الذي يدفعها باتجاه العودة إلى مناخات عاصفة السوخوي، فأن يأتي التصريح السابق على لسان سيرغي شويغو (وليس على لسان سيرغي لافروف) فهو أمر يحمل معنى أيضاً يراد إيصاله بأن القرار قد بات في عهدة العسكر بعد أن أعطي الساسة المزيد من الوقت من دون أن يكون ذلك كفيلاً بإحداث تقدم إيجابي.
قد نكون اليوم على أعتاب عاصفة السوخوي الجديدة والتي قد تعطى رقم (2) أو أن تحمل اسماً آخر يليق بالمصداقية الروسية التي لم تنفك موسكو تعلن أنها أحد أكبر ثوابتها السياسية وترمي بقفاز التحدي بوجه من يستطيع إثبات العكس بعد أيام من إعلان بوتين عن قرار سحب جزئي لقاذفاته من سوريا 15/3/2016 كان قد أعلن بأن تلك القاذفات تستطيع العودة إلى سابق عهدها في ست ساعات فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن