مشاريع التقسيم خطوة- خطوة «كردستان الكبرى نموذجاً»
| د. بسام أبو عبد الله
حين بُدئ الحديث عن مشروع التقسيم في المنطقة اعتقد البعض على سذاجتهم أن الأمر مجرد تهويمات سياسية، ومبالغات، وأوهام لدى بعض النخب في الغرب، ومراكز البحوث والدراسات من دون أن نتعلم درساً واحداً من التاريخ ذلك أن مشروع الكيان الصهيوني الذي تحول إلى واقع على الأرض بدأ قبل وعد بلفور بزمن طويل، ولذلك فإنه ما لم نتعلم، ونقرأ، وندقق الآن بما يجري من حولنا فإن المثل الذي يقول «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» لن ينطبق علينا أبداً بل إننا سنلدغ مرتين- وثلاثاً من دون أي إحساس أبداً.
مقالي اليوم قد يراه البعض أنه قد لا يناسب المرحلة التي تمر بها سورية الآن من منطلق أنه لا يجب فتح بعض الملفات الحساسة لأنها لا تخدمنا، ولكني أخالف وجهة النظر هذه تماماً لأنه لا يجوز لنا أن نكون كالنعامة، ولا أقصد هنا أصحاب القرار السياسي فهم مدركون لما يجري في الشمال السوري، وصدر رد فعل من الخارجية السورية التي أعلنت «أن إعلان ما سُمي بالفيدرالية الكردية هو أمرٌ لا أثر قانونياً له»، ولكني أقصد النُخب، والأحزاب السياسية، والتيارات الوطنية السورية التي يجب ألا تقف متفرجة تجاه ما يجري من محاولات لفرض واقع تقسيمي سيتحول مع مرور الوقت إلى حالة دائمة تصعب مواجهتها وإسقاطها لأنها تستهدف سورية الموحدة ذات الدور الإقليمي- والدولي والعروبي عبر خلق جغرافيا جديدة تقوم على أسس (أثنية- وطائفية) وللأسف هذا ما يطبقه «ثورجيو الإخوان والوهابية» عبر إماراتهم، وكذلك مدعو العلمانية واليسار في شمال سورية.
دعونا نراقب المشهد الآن: قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل- يصل إلى منطقة سرية في شمال سورية «خارج سيطرة الدولة السورية» كما نُشر الخبر، ليشرف على ترتيبات وإعداد ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية»- من أجل معركة «الرقة» ضد داعش، ويتم نقل «صالح مسلم» إلى هذه المنطقة للقاء الجنرال الأميركي، ويترافق ذلك مع زيارة موفد الرئيس الأميركي باراك أوباما لشؤون التحالف «ماكفورك» للتنسيق مع هذه القوات.
في الوقت نفسه يزور قياديو ما يسمى «حزب الاتحاد الديمقراطي»- الكردي!!! البيت الأبيض للتنسيق، وأخذ التعليمات، وقبل فترة يستقبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند شخصيات منهم باللباس العسكري في الإليزيه خلافاً لكل قواعد البروتوكول، وإذا تذكرنا فإن «صالح مسلم» رئيس حزب «الاتحاد الديمقراطي» كان قد صرح قبل فترة «أنه إذا دخلت قوات الحماية الكردية إلى الرقة- فإنها لن تسمح للجيش العربي السوري بالدخول للرقة»!!
مقابل ذلك نتابع تصريحات لمسؤولين «في هذا الفصيل السياسي الكردي» عن أن المعركة في الرقة ستكون شاقة، وأن الانتصار فيها يعزز فكرة الفيدرالية!!! ويتابعون بالقول: «إن الشعار الأساسي لقواتهم هو تخليص سورية من الإرهاب، وبما أن القضاء على (داعش) بدأ من (روج آفا) حسب مصطلحهم شمال سورية- فإن الاستعدادات على قدم وساق للتوجه للجنوب، والجنوب الغربي من (روج آفا) وشمال سورية الفيدرالي».
مسؤول آخر في هذا التيار السياسي الكردي اسمه «عبد العزيز يونس» يرى أنه في حال سيطرة قوات سورية الديمقراطية على مدينة الرقة فإن هذا سيكون فاتحة للانفتاح الدولي التام للاعتراف بالمنهج، والحل الفيدرالي لسورية المستقبل- ويقول: «ليس من المعقول تجاهل الدور، والقوى العسكرية التي لعبت، وستلعب الدور الأساسي للقضاء على الإرهاب في سورية ومن المفروض الإقرار بأن الحل الوحيد لسورية المستقبل هو الاعتماد على قوات سورية الديمقراطية- «لننتبه هنا»: كنواة لجيش سورية المستقبل، وفرض الوجهة السياسية التي تليق بتلك القوى في المحافل الدولية كممثل لشعب سورية الفيدرالي».
إذاً- المشروع واضح تماماً- الواجهة محاربة «داعش»، ولكن الأهداف الخفية من وراء ذلك هو تقسيم سورية عبر إقامة كانتون كردي- تحت اسم «إدارة حكم ذاتي»، ومكافأة هؤلاء على محاربة «داعش»، والإرهاب، وكأن أرض سورية «مزرعة» للأميركان، والفرنسيين، والبريطانيين وغيرهم لمنح هذا الطرف، أو ذاك جزءاً من أرض سورية القرار فيها هو للشعب السوري بأكمله، وليس لفصيل.
الجانب الأخطر لما يجري هو أن معركة شمال سورية هدفها الأساسي هو ربط الكانتون الكردي السوري، مع إقليم كردستان العراق، ولاحقاً مع جنوب شرق تركيا حيث تجري معارك يومية بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، وبالتالي الهدف هو إقامة «كردستان الكبرى».
وعندما نتحدث عن الحضور الأميركي بهذا الشكل العالي المستوى في شمال سورية عسكرياً، واستخباراتياً، فهذا يعني حضور إسرائيل أوتوماتيكياً- وخاصة أن قاعدة التموضع الاستخباراتي الإسرائيلي هي في «دهوك» شمال العراق إضافة لأربيل، والسليمانية حيث تدار العمليات أيضاً من هناك.
مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق الجنرال «يعقوب عميدرور» قدم عام 2013 تقريراً لـ«نتنياهو» يقول فيه: إن قطاعات كبيرة من الأكراد في شرق سورية انسلخت عن الدولة السورية، وأنها تعد العدة لفصل المناطق الكردية، بإدارة ذاتية مستقلة تندمج لاحقاً في إقليم كردستان العراق.
دور أميركا، وإسرائيل هنا هو بناء جسر بين أكراد العراق، وسورية ليتوج بوحدة إندماجية تكون نواة الدولة الكردية الكبرى التي تحدث عنها مصطفى البرزاني في خمسينيات القرن الماضي.
ما من شك أن «إعلان ما سُمي الفيدرالية الكردية من طرف واحد» يأتي بالضبط مطابقاً لما قاله الجنرال الإسرائيلي «يعقوب عميدرور»، وهو ما يشير إلى أصابع الموساد عبر أميركا أيضاً هناك، وفي شمال العراق، إذ يرى قادة الكيان الصهيوني أن إنشاء مثل هذه الكيانات الجديدة سيجعل إسرائيل تمارس دوراً إقليمياً يتخطى المجال الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط، وإقامة تحالفات وشراكات استراتيجية مع الدول غير العربية التي تنتج عن هويات إثنية، وطائفية، والتي يفترض أنها ستكون معادية للعرب، ما يعطي إسرائيل عمقاً استراتيجياً، وجيواقتصادياً، بعد أن أصبحت محدودة القدرة بفعل وجود المقاومة، ونشوء حالة من الردع الاستراتيجي.
الآن مراقبة كل ذلك تظهر بوضوح أن أصحاب «النظريات الانفصالية» يعتقدون أنها فرصة تاريخية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنت عن ولادته كوندوليزا رايس في تموز 2006- من أجل بناء دولة كردستان الكبرى- التي ستحول الأكراد إلى حالة العداء مع محيطهم الطبيعي العربي- الفارسي- التركي، وإلى جسر أميركي- غربي جديد لتفتيت دول المنطقة «سورية- تركيا- والعراق- وإيران لاحقاً» في الوقت الذي يتجه فيه العالم لخلق تجمعات كبرى اقتصادية تحقق المنفعة، والمصلحة للجميع.
من هنا: فإن معركة حلب هي الحاسمة، والاستراتيجية، لأن عدم قدرة الانفصاليين في شمال سورية على وصل عفرين مع عين العرب، واتجاهاً نحو الغرب، وعدم خلق منفذ بحري على الساحل السوري، أو لواء إسكندرون، سيجعل هذا المشروع في حكم الميت.
لهذا نقول للوطنيين الأكراد الذين يؤمنون معنا بهذا الكلام أنه ليس لدى أي سوري مشكلة مع الأكراد لأنهم جزء من نسيجنا الاجتماعي، وتاريخنا الوطني، وهم جزء من سورية المستقبل القوية- القادرة التي ستهزم الإرهاب حتماً بتكاتف أبنائها، وخلف جيشها الوطني الشجاع بقيادة الرئيس بشار الأسد، وليس بقيادة خارجية، وأنا مؤمن بأن أغلبية السوريين لن تسمح لهذه المشاريع بأن تمر لأن هذا الزمن مختلف عن زمن سايكس- بيكو، وأرجو أن يفهم بعض من يريد أن يغامر بأكراد المنطقة في شمال العراق، وشمال سورية، وحتى في تركيا من أجل مشاريع لا تخدمهم، وإنما تخدم أميركا وإسرائيل والغرب الذين لا هم لهم سوى أن نكون وقوداً لمشاريعهم.