ثقافة وفن

بين الإنتاج والدبلجة ضاع الطفل العربي .. صراع الأجيال الكرتوني يتفاقم بين الحاضر والماضي .. هل مسؤولية المتابعة التلفزيونية على عاتق الأسرة فقط؟

| سوسن صيداوي

في صراع بين الماضي والحاضر وصراع بين الأجيال المتتالية نجد ثغرات كبيرة في طريقة التفكير والتنشئة وغيرها من الأمور التي تساهم بطريقة ما في تربية الطفل وتوعيته.
التلفزيون كان ومازال رفيقا أنيسا للعائلات على الرغم من مزاحمة الإنترنت وملحقاته من برامج التشات والتواصل الاجتماعي، والأمور المتاحة هذه الأيام أصبحت كثيرة فبعدما رُبيت أجيال على مجرد ساعات تلفزيونية تخص الأطفال ويتخلّلها برامج منوعة للأطفال.

اليوم أصبح الأمر ليس بهذا التعقيد لأن هناك قنوات تلفزيونية خاصة ومنوعة البرامج بحسب أعمار الأطفال، ولكن في تاريخ مضى كان هناك نوع من الانتظار التّوّاق لافتتاح القناة السورية الأولى والذي كان يتم في الظهيرة في الساعة الرابعة وبعد النشيد الوطني السوري وتلاوة القرآن الكريم تبدأ الحماسة بظهور مقدّمة البرامج وسماع محتوى فترة الأطفال من برامجها ومسلسلاتها وكانت الفترة بوقتها ممتدة لساعة ونصف الساعة وفي يوم العطلة، والذي كان يوم الجمعة، كانت الفترة صباحية طويلة، تلك الأيام جميلة ويستلّذ بتذكرها عدة أجيال ويستمتع الكثيرون بوصفها في حياتهم العمرية ويقول «سقى اللـه» وكأنّ حلاوتها مشابهة لحلاوة طعم العسل في أفواههم وهذا الطعم لا يمكن لأي نكهة في الوجود أن تكون قادرة على إزالته بأي نكهة أخرى، هذه الفترة عنت للكثيرين ولا يمكن محوها ولكن ما السر فيها… ولماذا هذا العشق الذي لا يمكن نسيانه وكأنه حب أول يمضي العمر كلّه ولا يمكن أن يُنسى، هل السر في كمية البرامج التلفزيونية المتاحة في فترة الأطفال أم في النّوعية؟ إذا سمحتم لي بالإجابة أظن في وقتها السحر والمتعة بسبب الإثنين، فالكمية المحدودة من البرامج تعطي نوعا من الشوق في ترّقب الانتظار أما بالنسبة للنوعية فهي أيضاً لها سحر إضافي، ففي الثمانينيات إلى التسعينيات ازدهرت تلك الفترة ببرامج تلفزيونية للأطفال لم يتكرر مثلها، هل الأمر مبالغ به، هذه شهادتكم وليست شهادتي، سأذكر على سبيل الذكر وليس الحصر بعضها: توم وجيري، ساسوكي، غريندايزر، حكايات عالمية، أوسكار، سالي، ساندي بل، الكابتن ماجد، ماوكلي، هذه هي الحياة، اسألوا لبيبة، افتح يا سمسم، عدنان ولينا.
طبعا هذه المجموعة لم أقم أنا باختيارها بل أنتم وهي بعض مما كان يستحوذ انتباهكم واهتمامكم، وعلى الرغم من أنها متنوعة المواضيع والقصص فمنها الذي يكشف أسرار الحياة البشرية بأسلوب علمي بسيط ودقيق، وفي الوقت نفسه منها ما يطرح قضايا اجتماعية مهمة لا يمكن أن تتغير مهما تغير الزمان مثل الجشع والفرق الطبقي والظلم والفرق بين الغني والفقير واليُتم والتشرد وغيرها، ومن تلك المسلسلات الكرتونية ما تطرق لحياة الغابات وكيف يكون الصراع فيها للبقاء ويبحث قضية البقاء للأقوى، وعلى سيرة البقاء للأقوى منها ما كان واضحاً بطرح قضايا كان من السهل جداً ذكرها للأطفال رغم أنها تاريخية وتحكي عن الثورات والنضال ضد العدو وغزوه مصّورة ما يعانيه الأبطال من ظلم وجوع حتى إنها صوّرت قسوته بمشاهد تجّسد عنفه في القتل والضرب.
إذا هذه الشمولية في هذه التّنوعية الفريدة هي التي جعلت هناك صراعاً قوياً وواضحاً بين أجيال الثمانينيات والتسعينينات وما قبلها مع ما بعدها، مع أجيال مبرعِمة حديثا والتي أقصد بها الأجيال الحالية، اليوم جريدة الوطن كان لها لقاء مع عدة سيدات، أمهات، على اختلاف أعمارهن وثقافتهن لكن كان هناك نوع واحد من التوافقية بينهن وهي الإجماع على أن البرامج الحالية المخصصة للأطفال ما هي إلا تضييع للوقت وتثير الاستياء، من الأهل طبعا، لأن الغرض منها هو التسلية فقط فالنوعية المخصصة للتعليم، إن وجدت، تثير للطفل الملل والشعور بعدم الاستمتاع مع عدم الرغبة بالمتابعة على عكس برامج أخرى رغم أنها خيالية ربما أو فارغة المضمون إلا أنها تشدّ الطفل ومع الأسف الشديد رغم سوء رسم الشخصيات التي فيها الكثير من البعد عن الواقعية وتثير الغرابة في النفس لأن نشاطها غير طبيعي سواء في تناول الطعام مثلاً أم في طرحه كما أنها تتمتع بقدرة غريبة وغير معقولة في التمدد وهذه القدرة لا يتمتع بها كائن مخلوق، إضافة إلى أن إحدى الأمهات لم يكن صعبا ظهور استيائها من أن هناك مسلسلاً كرتونياً خيالياً، وأنتم في غِنى عن معرفة اسمه، يزرع فكرة تحول الشخص إلى شخصية أخرى ومع الأسف الشديد الشخصية التي يتم التّحول إليها هي عبارة عن وحوش، وشرحت الأم متابعة بأن طريقة التّحول تكون بارتداء ساعة والضغط عليها والطريف بالأمر بأن الطفل بنفسِه قال إنه حاول تقليد الحركة كي يتحول إلى وحش مفترس إلا أنه أخفق واستدرك طبعا أن الموضوع خيال بخيال، ليس خطأ أن يثار خيال الطفل ولكن يجب أن يتم توظيفه بطريقة قريبة للواقع ومفيدة لا أن يتحول الطفل «مقلداً» إلى وحش ويقوم بضرب إخوته وإثارة الفوضى بالمنزل مع الازعاج وغيره من التصرفات السيئة وهذا ما كشف عنه الفنان والمخرج المسرحي قصي قدسية «لا شك أن العالم ينحو تجاه العنف على اختلاف أشكاله ومستوياته، فما يحصل بيننا وحولنا وفي العالم لهو أكبر دليل… ولا شك أن برامج الأطفال التي كنا نتابعها عندما كنا صغارا كانت تختلف بجوهرها وشكلها عما هي عليه الآن، فهي في الفترة الأخيرة /آخر عشر سنوات/ أصبحت مملوءة بالعنف والذي برأيي الشخصي أنه عنف موجّه وبحرفية عالية، وهذا العنف يؤثر سلبا على أطفالنا في حياتهم وحتى في أحلامهم إذ يصبحون بليدين وغير قادرين على التفريق بين الحقيقة والخيال ويصبحون مع الزمن عنيفين أو على أقل تقدير يتقبّلون مشاهدة العنف بكل رحابة صدر وعدم اكتراث وبالتالي يغدون عدائيين، هنا أحمّل شركات إنتاج ودوبلاج هذه البرامج المملوءة بالعنف الموجّه المسؤولية وأحمّل الأهل أيضاً مسؤولية عدم وعيهم لخطورة هذه البرامج، وهناك دراسة علمية تفيد بأن معدل العنف في برامج الأطفال بين 20-25 مشهداً عنيفاً خلال ساعة كرتونية واحدة وهذا معدل كبير… بالمختصر يجب أن تكون هناك رقابة صارمة وحقيقية على هذه المواد المتلفزة والعمل على تصنيفها ومنع ما يؤثر سلبا على أطفالنا، لأنه وببساطة سنشهد أشكالا جديدة من الإرهابيين لا نعرف مدى خطورتهم على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن