من دفتر الوطن

إمبراطورية الشر

| حسن م. يوسف 

في كل يوم يزداد نفوري من السياسة ويزداد حضورها في حياتي حتى باتت ممزوجة بالهواء. والحق أن السكوت عن تصريح مارك تونر الناطق باسم الخارجية الأميركية يعادل بالنسبة لي التوقف عن التنفس! قال تونر إن ثمة «حالة من الالتباس لدى الولايات المتحدة في تحديد الإرهابيين وما يسمى معارضين معتدلين في سورية والتفريق بينهما»، معتبرا أن بلاده «ما زالت تبحث عن إجابة لهذا السؤال» (!) ودعا موسكو ودمشق إلى «الامتناع عن توجيه ضربات إلى جبهة النصرة حتى نحدد هذه المجموعات»!
والحق أن هذا الكلام يبدو غير قابل للتصديق وخاصة أن أميركا سبق أن وافقت على قرار مجلس الأمن الدولي الصادر عام 2012 على إدراج جبهة النصرة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية! يقول المثل الشعبي: «الفاخوري يضع أذن الجرة حيث يشاء» وقد عودتنا أميركا عبر تاريخها أنها الحاكمة بأمرها، غير أن السيد تونر يريد أن يغير مكان أذن الجرة بعد أن جفت وأصبحت فخاراً قابلاً للكسر، وهذا غرور أهبل لا سابق له في تاريخ الدبلوماسية العالمية.
لقد كانت أميركا بالوعة البشرية منذ اكتشافها، ففي بداية غزو البيض لأميركا، أفرجت السلطات البريطانية والألمانية عن نزلاء سجونها ودفعت بهم إلى العالم الجديد ليشنوا على السكان الأصليين أطول وأفظع حرب إبادة في تاريخ الإنسانية.
وقد كتب أحرار العالم الكثير عن إمبراطورية الشر هذه، إلا أنني في هذا المقال أود أن أذكركم ببعض ما قاله الأميركان أنفسهم بحق بلدهم.
فالكاتب هرمان ميلفل صاحب رواية موبي ديك يقول: «إننا نحمل على كواهلنا حريات العالم» نحن «الشعب المختار المميز- إسرائيل هذا الزمان»! وقال الرئيس ودرو ويلسون في مذكراته السرية إن أميركا تريد من شعوب العالم: «الخضوع لحقنا في استغلالهم ونهبهم»… هكذا ببساطة!
أما الرئيس هاري ترومان الذي لم يوبخه ضميره لأنه أمر بإلقاء القنابل الذرية على اليابان، فقد بالغ في الاعتزاز بإثمه إذ قال عام 1952: «إن الولايات المتحدة استجابت لإلحاح العناية الإلهية فقبلت أن تأخذ عبء زعامة العالم على عاتقها»! وقد وضع الزعيم الزنجي الأميركي مارتن لوثر كينغ يده على حقيقة أميركا إذ قال: «إن متعهد العنف الوحيد في العالم هو بلدي»، ولأنه قالها تم اغتياله.
أما (لي آت ووتر) الذي كان من الشخصيات البارزة في إدارة ريغان فقد أشار بعد إصابته بالسرطان إلى: «الخواء الروحي في قلب المجتمع الأميركي، أنه ورم خبيث ينتشر في أرواحنا». وما يؤكد هذا أن الكاتب الأميركي روبرت دول هاجر إلى كندا وألَّف كتابه «الكابوس الأميركي» بالفرنسية لأن «مادية المجتمع الأميركي وعسكريتاريته تدعوان إلى القرف اليوم أكثر من الأمس».
تشكل أميركا 5 بالمئة من سكان العالم لكنها تستهلك 40 بالمئة من موارده، رغم ذلك تفيد اليونسيف أن ثمة طفلاً من بين كل ثمانية أطفال في أميركا «لا يجد ما يسد رمقه». لقد زادت حروب أميركا عن المئة، وهناك إحصائية في سجلات الأمم المتحدة تشير إلى أن عدد الناس الذين قتلتهم أميركا في حروبها منذ الحرب العالمية الأولى وحتى حرب أفغانستان، زاد عن ستين مليون إنسان.
والمدهش في الأمر هو أن أميركا لا تخفي حقيقتها الشريرة هذه، فقد اعترف هنري كيسنجر بوضوح: «ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تحل أي مشكلة في العالم، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة وأن تحرك هذه الخيوط حسب المصلحة القومية الأميركية».
مع ذلك، ورغم ذلك، ما يزال هناك سوريون مأفونون يعلقون آمالهم على أميركا!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن