في لوحتي أكثر من مدرسة وأكثر من مذهب … أحمد رمضان لـ«الوطن»: من دمشق أرسم وهي المطوّبة بوابة للمحبة والسلام والفنون

| عامر فؤاد عامر

تظهر لوحته بعد قراءة قصيدة، أو تولد بعد الانتهاء من رواية، فكلّ شيءٍ مدروسٌ لديه، ولاسيما أنّه كثير الانتباه للنسبة الذهبيّة في رسومه جميعاً، ويقول أيضاً إن اللاوعي هو مصدر إنشاء لوحاته، وكلّ لوحةٍ لديه تخضع لمناقشةٍ وتمحيصٍ ودراسةٍ قبل أن يُسقطها داخل الإطار، وهو يفكر بلغة الفنان والمتلقي معاً. الفنان التشكيلي «أحمد رمضان» الذي جاء إلى دمشق في عمرٍ مبكر من بغداد، ودرس في معهد «أدهم إسماعيل» ولم يكتف فدرس في «وليد عزّت»؛ ليكمل بعدها تحصيله الأكاديمي في كليّة الفنون الجميلة، اليوم تكثر المشاريع الإبداعيّة في ذهنه، ويبقى على شوقه لموطنه فيقول: «بغداد الهويّة ودمشق الهوى».

العزف مرتين على «وتر شرقي»
«وتر شرقي» اسمٌ لمعرض الفنان التشكيلي «أحمد رمضان» والذي تكرر عرضه مرتين خلال النصف الأول من العام 2016، وعن هذا التكرار وعدم الخوف منه يجيبنا: «لم أخطط لعرض لوحاتي من جديد في صالة دار الأوبرا، لكن جاء الأمر بطلبٍ من مديرة المركز الثقافي في أبو رمانة، بعد أن تمّ عرض «وتر شرقي 1» في المركز أوّلاً، فتواصلت معي إدارة الدار وتمّ عرضها من جديد، و«وتر شرقي» هو لوحات فيها لغة السهل الممتنع؛ تصل منها فكرة مفتوحة، وبحسب الحالة النفسيّة للمتلقي يراها، وقد لاحظت أن الناس الذين حضروا «وتر شرقي 2» أكثر بكثير من «وتر شرقي 1» بالإضافة إلى أن هناك عدداً من الذين حضروا الأول حضروا من جديد في المعرض الثاني».

بورتريه مشترك
لكلّ لوحة حكاية، والناظرُ للوحة يتلمّس فكرة جديدة بين بعدٍ حداثي ومجموعة من الرموز، وعن خصوصيّة لوحات «وتر شرقي» يضيف الفنان «أحمد رمضان» ويشرح عن البورتريه المشترك في معظمها: «من العام 2010 حتى اليوم كثرت المحاولات والمعارض في بلدنا، لكن في الحقيقة لم يكن هناك تأثير وصدى حقيقي، بالتالي هذا يدلّ أنه لا انسجام حقيقياً بين المتلقي واللوحة، ولكن معرضي هذا اشتغلت عليه منذ 2011 وقد انقطعت عن الرسم لمدة بسبب ظروف البلد، وظروف العمل، والسفر، وغيرها، لكن مديرة المركز الثقافي في أبو رمانة تواصلت معي في نهاية العام 2015 ودعتني لإقامة معرض ضمن خطّة بداية العام 2016، واتفقنا أن يكون في 14 شباط، في المركز، ولذلك قررت الاهتمام بوعدي لها، ومن اليوم التالي لاتصالها عملت على تجهيز اللوحات، وقدّمت استقالتي من عملي، وعدت بقوّة للرسم من جديد، وبقيت على نشاطي إلى يوم 13 شباط، أي قبل المعرض بيوم واحد، فحملت لوحاتي متجهاً إلى المركز لتجهيزه لليوم التالي، يوم الافتتاح.
الفكرة من المعرض هو بورتريه موجود في كلّ اللوحات ترميزاً للإنسانية، بعيداً عن الدّين والطائفيّة، ولكلّ منها حكاية، ولا مدرسة معيّنة يتبع لها عملي، ففي اللوحات أرضيّة تكعيبيّة، وفيها الرمزيّة، والواقعيّة، ولذلك سيرى الناظر أن لا قيود في لوحتي، فحاولت الخروج من الواقعي إلى الرمزي، والتعبيري العميق، ومن الممكن أن يجد المتلقي في لوحةٍ واحدة أكثر من اتجاه، وأكثر من مدرسة».

البوابة 8
تضمن «وتر شرقي 2» لوحة جديدة وهي لوحة «البوابة الثامنة» وعن صلة الوصل بينها وبين أبواب دمشق السبعة يتحدّث الفنان «رمضان» موضّحاً: «الباب لوحة واقعيّة، مساحته جاءت مترين بمتر، وهو باب الفنّ، والحبّ، والسلام، وهو ليس بجديد على دمشق، مهد الفنون والحضارات إلى اليوم، وهذا الباب اشتغلته في البيت، ولم استعن بنجارٍ بل كلّه اشتغلته بيدي، وبورتريه الأنثى الموجود في كلّ اللوحات تقاطعت جميعها في لوحة الباب في أربع مرّاتٍ بصورةٍ أفقيّة، وأربع مراتٍ أخرى بصورةٍ عموديّة، فتشكّل كتلة زخرفيّة في المنتصف مكتوب فيها كلمتا «دقّ» و«دمشق»، والسبب هو دعوة للدخول إلى هذه المدينة المُحبّة، فهنا مدينة دمشق عاصمة بلاد الشام، وهي مركزيّة في القلب، وتبعد عن مدن: «القدس»، و«بيروت»، و«عمّان» بالمسافة نفسها، أمّا الألوان فهي البرونز، والذهبي، والفضّي، والأسود، وكلّ منها يرمز إلى شيء فالأسود يرمز للحجر والبناء، والذّهبي هو الباب الدمشقي، والبرونز دليل الصناعة الأولى في الشرق الأوسط التي تتفوق بها دمشق، والفضة هي الصناعة التي يتفاخر بها الصائغ الشامي».

درويش ومارسيل
في لوحات الفنان «أحمد رمضان» يدرك المتلقي أن كثيراً من الرموز بنيت بحذر شديد كتوزيع النوطات الموسيقيّة في بعضها، وحول هذه الفكرة يشرح لنا: «الحذر مطلوبٌ في القواعد الأساسية في الفنّ، أمّا في مساحة اللون والتعبئة؛ فالفنان حرٌّ فيها، فهناك أكثر من جملة موسيقيّة مرسومة في اللوحات، وعندما نقرأ قصيدة ريتا للشاعر «محمود درويش» نجد أن لها طقساً مختلفاً عمّا نسمعه على عود الفنان «مارسيل خليفة»، وفي لوحتي حاولت أن أصل بين الكتاب والأغنية المغناة على العود، وأعتقد أن ما فعلته وصل للمتلقي، واخترت لون الخلفيّة لوناً أحمر من درجة «البوردو» أي بين الخمري والأحمر، وهو لونٌ يرمز للحبّ والدّم معاً، وتوزيع البورتريه على هذه اللوحة قصدت منه أن الموسيقا تُرى، وتُستنشق قبل أن تُسمع، وبذلك حاولت إنصاف «درويش» و«خليفة» في العمل ذاته».

أنا
حملت لوحة «المملكة» اسم الفنان «أحمد رمضان» وفي ذلك جرأة بأن يرسم الفنان نفسه في اللوحة، وعن هذه الفكرة يوضح أيضاً: «في اللوحة برورتريه بلونٍ أزرق والمقصود منه أنا في حالة الرسم، وهناك كتاب مفتوح أعلى اللوحة، لا تظهر صفحاته، وهو رمز مستقبلي أنا، أمّا الكتب الأخرى فقصدت منها التناغم بين الروح والجسد».

بغداد ودمشق
وُلد الفنان «أحمد رمضان في «بغداد» وجاء إلى دمشق ليرسم في عمر الخامسة، وهو على علاقة مع القصيدة العربيّة المنسوجة في بلدان عربيّة أخرى، وكلّ ذلك يشير إلى الغنى، وحول ذلك يقول: «أنا عراقي الهويّة وسوري الهوى، وأذكر أنني عندما سافرت إلى «كردستان» لإقامة معرضي هناك شعرت بغربةٍ شديدةٍ، وشوق للشام، لم أشعر به من قبل، فقد وُلدت هنا، ودرست هنا، وأصدقائي من هنا، وعائلتي في العراق لهم علاقة في الفنّ؛ لكن في دمشق أحاول تقديم الجديد، والعمل على تجاوز فكرة الخطأ أو الدخول لمرحلة انتقاد غير مسوّغ».

أندلسيّات في دمشق
في نهاية لقائنا تحدثنا حول جديده القادم: «لوحة الباب هي آخر لوحة في «وتر شرقي 2» وتقصدّت أن يكون مغلقاً، أمّا في المعرض الجديد «أندلسيّات في دمشق» سيكون الباب هو اللوحة الأولى، وسأجعله باباً مفتوح المصراعين، وهذا المعرض أحضر له منذ عامين ليكون جاهزاً في نهاية 2017».