قضايا وآراء

الاحتكام للميدان!!

| مازن بلال 

يطرح تأجيل مؤتمر جنيف جملة من المشكلات لا تتعلق مباشرة بطبيعة العمليات العسكرية، بل بالعلاقات التي تحكم الأطراف وقدرتها على إحداث تحولات واضحة في الميزان العسكري، فالأزمة السورية وعلى امتداد أكثر من خمس سنوات وضعت مساراً حرجاً لمسألة «الحسم العسكري»، فهذا الحسم لا يرتبط بكسر إرادة طرف أو تنظيم إنما بتحييد طرف إقليمي أو دولي، وبالتالي خرق التوازن الدولي في شرقي المتوسط الذي فرضه الصراع على سورية منذ عام 2011.
إن المسألة السورية لا تطرح شرطاً داخلياً خاصاً فقط، فالنموذج الذي يتم البحث عنه يمكن أن ينسحب على أزمة «الدولة الوطنية» انطلاقاً من العراق ووصولاً إلى لبنان، ومن المفترض أن لا يكسر هذا النموذج علاقة الصراع مع الكيان الإسرائيلي، ويوضح مسار جنيف أن الأطراف الداخلية السورية تنطلق من مقاربتين أساسيتين:
– الأولى أن الأزمة السورية ستتيح تشكيل نخبة سياسية جديدة في ظل مظلة دولية، وليست «النخبة» هنا سوى تعبير عن مستوى علاقات سياسية داخلية، فهي ليست أشخاصاً بقدر كونها آليات لإنتاج السياسة، والمنصات في حنيف تبحث في الأغلب في الآليات التي يمكن عبرها انبثاق هذه النخبة الجديدة وتحديد أدوارها.
هذا التصور لـ«النخبة» يتفاوت في رسم تلك العلاقات ما بين مبدأ الشراكة السياسية وصولاً إلى ما يطرحه وفد الرياض من احتكار التمثيل ونسف العملية السياسية كلها، لكن تصورات إنتاج النخبة لا يقدم أي حلول للإستراتيجية السورية في فض الاشتباك الإقليمي أو الدولي القائم على أرضها، فهناك بالتأكيد تعبير عن وجهات النظر لبعض دول المنطقة، إلا أنه لا يتناسب مع نوعية الأدوار العسكرية التي تمارسها هذه الدول وعلى الأخص تركيا والسعودية.
– المقاربة الثانية تنطلق من تغيير الدور السياسي للنخبة الجديدة، فهي كتلة سياسية مرنة عليها التعامل مع ما فرضه الإرهاب من عدم اتزان اجتماعي، إضافة إلى كسر شكل العلاقات الإقليمية الصارم الذي يتعامل مع مفهوم السيادة المطلقة للدول.
ويأتي تغيير الدور السياسي بعيداً عن التوازن الذي يجب أن تفرضه حل الأزمة السورية، فالشراكة السياسية التي أقرها مؤتمر فيينا 2 والقائمة على «التعددية» بكل ما يحمله هذا المصطلح من احتمالات؛ تفترض على الأقل إستراتيجية لسيادة الدولة تضمن على الأقل محاصرة الإرهاب وعدم جعل سورية منطقة «جاذبة» للإرهابيين، وهذا الأمر لن يعتمد على قدرة «النخبة الجديدة» في إدارة البلاد بل أيضاً على قدرتها في التعاون لإنتاج نظام أمن إقليمي يخفف من احتمالات تطور البؤر الإرهابية على طول الحدود السورية كما يحدث اليوم.
المقاربتان السابقتان توضحان أن العمل في جنيف يتناقض مع مسألة كسب المعارك في الميدان، فالحرب كما تبدو هي صدام عسكري بين إرادات الدول يظهر فيها الإرهاب كعامل ضروري لتسويغ التدخل، ويظهر فيه أن النموذج السوري القادم لن ينطلق لمجرد ظهور «نخبة سياسية» جديدة أو كسب أوراق في المعارك الدائرة، لأنه في النهاية يرتبط بـ«نوعية» الدور السوري لمرحلة ما بعد الأزمة، فالدولة الديمقراطية والتعددية لن تحل إشكالية التشابك الدولي، ولن تخلق توازناً قادراً على محاربة الإرهاب، وضمان مصالح الدول عبر تركيبة حكومية هشة لن يؤمن أيضاً كسب الصراع مع الإرهاب، وإذا كانت المفاوضات في جنيف تؤسس لإطار سياسي عام من أجل خلق التوافق السوري السوري، لكنه في المقابل لن يوجد توازناً للقوى التي تبحث عن أدوار لها في الصراع الدائر اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن