اقتصاد

وزير التموين.. و«رأفة» التجار!!

| علي هاشم 

أسوأ ما يمكن تخيله عن طبيعة العلاقة بين التجار والحكومة افتضحه اجتماعهما يوم الأحد الماضي لـ«تعديل آليات التسعير»!، فتحت لافتة «التفهم» تحولت الجلسة إلى مناسبة حكومية لتقديم فروض الطاعة في محراب التجار؟.
كان الأمر سهلا لفهم الارتياح الذي ساور التجار عقب الاجتماع، إذ، وعلى حساب المواطن والأموال العامة، تبرعت الحكومة لهم بهوامش ربح خيالية من السلع (ممولة/ وغير ممولة) الاستيراد بعد موافقتها على آلية تسعير مزدوجة تتيح سهولة كبيرة أمامهم بمناقلة سلعهم الممولة من المصرف المركزي لبيعها بسعر غير الممولة، ورغم ما قد يبدو عليه الأمر من «عدالة فنية» أثناء حركة الدولار صعودا، فهي غير ملزمة التطبيق إذا انعطف في منحى هابط.
ما يهم في مجمل القضية هو «السلع الأساسية»، فلو كان صحيحا قطع الحكومة بأنها تمول (جميع) ما يرد إليها من طلبات لاستيرادها، يصبح التشكك في نيات التجار مشروعاً تماماً، إذ لا منطق في قيامهم باستيرادها من خارج التمويل الحكومي، واستطرادا، فلم يكن من حاجة إطلاقاً لاعتماد آليتي تسعير لها، ولا لتفهم مطلبهم (المكرر) بلجم سلطة الضابطة التموينية لمراقبة تقيدهم بها!.
ورغم كل ذلك، فأسوأ ما في الاجتماع لما يأت بعد!، فعقب انفضاضه، نقل عن وزير «التموين» طلبه «العمل على توفير السلع بأسعار رحيمة (بالناس) رؤوفة بأحوالهم»!!، قابله التجار بتفهم: «واعدين بتوفير المواد الأساسية بأسعار مرضية»؟!.
في الواقع، ورغم التعارض الصارخ بين هدف الاجتماع المنعقد لإطلاق هوامش ربح التجار، وبين موافقتهم على خفضها!، فـ«المنولوج» السابق تمظهر كـ«زلة لسان فرويدية» عبر خلالها كلا الطرفين عن لا وعيهما تجاه تسلسل موقع الآخر في سلسلة الهيمنة على الأسواق، فذهب الوزير إلى استجداء (الأقوياء)، وذهب (الخصوم) إلى التفهم!، ومع الاحتفاظ بما يستبطنه موقفه من غيرية (وتشفع ورأفة) بـ(المواطنين المساكين)، إلا أنه -للأسف- قدم نموذجاً صارخا في الخضوع لم يدانه فيه سوى وزير واحد مر على كرسيه قبل أشهر قليلة!، ولو يدري كلاهما ما كان يفعله من سبقهم على الكرسي ذاته في عقود خلت، لما اقترفا هذا العيار من خطايا (التفهم) في أيام الحرب؟!.
فمن حيث المبدأ، يفتضح «وعد» التجار بالأسعار المرضية إقراراً عفوياً بتحكمهم المبرمج في تدفق السلع المبني على احتكارها تحت سمع وبصر وزير التموين كما مدير «هيئة المنافسة ومنع الاحتكار» التي قضى مديرها سنواته الأخيرة «مطبطبا» لهم نافيا عنهم أي شبهة بالاستغلال.. وهذا أمر قابل للتحدي!! وبالطبع، فالاحتكار هذا هو المسؤول عن قسط وافر عن الخلل في توازن الكتلتين السلعية والنقدية، ما يضع التجار -كأحد صانعي التضخم- على الطرف الآخر من معركة المستهلكين المعيشية، فكيف لأي منا أن يطلب منهم الرأفة؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن