ثقافة وفن

قواعد اللعبة..

| د. اسكندر لوقا 

اختلاف وجهات النظر بين العقل مصدراً للرقابة والقلب مصدراً للعاطفة ذكرني باختلاف وجهات النظر إلى الشكل والمضمون، إلى المظهر والجوهر في ستينيات القرن الماضي بين الأدباء من جهة وبين النقاد من جهة أخرى.
العقل حين يكون سليماً معافى من شوائب المادة البحتة، يبقى مصدراً للرقابة، وهو بهذا المعنى الجهة الناظمة لمسار السلوك عند الإنسان، في حين يبقى القلب مصدراً للعاطفة التي لا تتقن لعبة الأرقام ولا الثوابت أحياناً.
من هنا كان ولا يزال يتجدد مثل هذا الحوار بين من يعنيه العقل ومن تعنيه العاطفة، ولهذا الاعتبار سيبقى هناك منتصر وآخر مهزوم، وذلك تبعاً لقوة ونوع العوامل التي تتحكم بسلوك البشر. في هذا السياق يحذر عادة، بل غالباً، من خطر الانزلاق في تيار العاطفة، حتى لا يفقد المرء قدرته على التحكم بمساره، ويكون شأنه كشأن سيارة تجري من دون سائق.
في الظرف الذي يفاجئ بلداً من بلدان العالم ولا يكون مهيأً لتلقي تبعاته، لا يمكن أن يجد أحدنا تبريرا لغياب العاطفة من بين مكوناته، إلا إذا كان مسندها الجشع وضياع القيم المثلى.
على هذا النحو، سورية تواجه اليوم ما لم تكن معتادة عليه حتى في الأزمنة الصعبة التي عاشتها أيام الاستعمار، لأن هذا الاستعمار كان واضح المعالم وليس على غرار الحرب التي شنت عليها من جانب أعداء البشر والشجر والحجر، جاؤوها من كل حدب وصوب، لغاية لم تعد مخفية على أحد.
في الزمن الراهن، لم يعد ثمة حضور فاعل للعقل، وباتت العاطفة المزيفة هي الغالبة، ومن هنا خطر الانزلاق في خندق الخطأ المميت، ومن ثمَّ وجوب استعادة الوعي وتغليب العقل على العاطفة المزيفة، لأن زمن السباق لتحقيق المكاسب بات واضح المعالم، سواء على مستوى البائع في دكانه البسيط أم على مستوى التاجر الذي يتقن فن اللعبة ويبدأ بتخزين البضائع في متجره إلى حين ارتفاع أسعارها وسوى ذلك من تصرفات ساهمت في إزالة مفاعيل العقل من على أرض الواقع.
إن وضعاً كهذا، لم يلغ العقل فحسب، بل ألغى حتى العاطفة في السياق نفسه، وبات المجتمع برمته مجتمعاً آيلاً للسقوط في التجربة، ولن تحول دون هذا السقوط سوى اليقظة التي تمنح أبناءه القدرة مجدداً على استعادة ذاتهم. ودائماً يبقى الأمل بأن وطننا الذي خاض المعركة تلو المعركة من أجل حاضره ومستقبله، كما الفارس الذي يستعد لخوض المبارزة مع خصم عنيد، ولكن أخذاً بعين الاعتبار ما أوصى به عالم الرياضيات البريطاني هنري لوكاس 1612- 1650 إذ قال ناصحاً: «قبل الشروع في القتال نحن بحاجة إلى التذكير بقواعد المبارزة». وسورية تعرف جيداً قواعد المبارزة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن