ثقافة وفن

فرحٌ بين قيمرية وطالعِ فضة

| غسان الشامي

كلمتي في الأب الصديق الياس زحلاوي وجوقة الفرح.

وقتما يهدل اليمام كارجاً في دار مريم أو على فيء مئذنة عتيقة، أو يناور القمر النارنجيّ زاوية قيمرية أو طالع فضة،.. تعرف أنك في فرح الشام.. فاخلع نعليك.
أي نغمة آرامية تخرج من عبيق ورود البيوت؟ وأي موسيقا تفرشها في العشيات نوافيرها؟.
هي الشام جلّنار من أحبها.. ياقوت الظهيرة وفيروز المسايا،.. وفي ثلاثة آلاف عام التي أفلت كانت منارة وبيرقاً وعزاً وأبولودور وسموات حزن وفرح، فكيف لهذا الزحلاوي الذي عابقها كنبيذ كنيسته أن لا يركع ويصلّي ويغني الفرح بين شعاب روحها وشقوق حجارتها.
ذات عشيّة ارتعش هاتفي،.. كان صوته، الذي ناوشته بحة مبكرة حرمته شغف الترتيل، ينداح كمسرى سبّحة صلاة دمشقية، يسألني بدماثته أن أكتب مقدمة لمذكراته.
– لماذا أنا يا أبونا؟.
-لأنه،.. شيء ما.. لا أعرفه دفعني لذلك.
لا رادّ لهذه البحة المتعَبة.. ولا عاش من ردّ هذا الدمشقي عن أوغاريتية أبجديته، وهذا البردى عن صفصافه.
إنه ذلك الوله بدفوف الفرح وكنارات الروح القدس، وبطرب المريمات بالقيامة ومتعة رؤية الحجر مدحرجاً عن القبر.. هذا الذي نذر وسفح عمره في خدمة من أحبهم، وما أكثرهم، ودخل بيوت الناس من شاهق عتباتها محنياً هامة تواضعه لصحون الدور الشامية بكل أطياف جوريّها.
كل مرّة أراه أمعّن بصيرتي بعينيه المتعبتين فألمح جمهورية من محبة وكوكباً من فرح، وأستشف جوقة أو رحلة أو نسمة تأخذنا إلى العلا.. إلى مشرق المشارق.
رجل الضوء هو، طارد الظلمة العنيد،.. روحه باذخة الموسيقا، رغم الألم الهادر في حديقتي وطنه الأمامية والخلفية، لكنه لا يتقن إلا عبور الآلام نحو الفرح كمعلمه الجليلي السوري ابن مريم.. لذلك لم يكن غريباً عليه أن يكون طلاّع جوقة الفرح، يحملها على منكبيه ويجول وطنه وهذه الأرض المنهكة حديداً وقسوة ليزرع فرحاً وغوطة وقاسيوناً وأبناء حياة.
أما جوقة الفرح.. فيكفيها فخراً سوريتها وشاميتها وأنها ابنة قلبه وحناجر من أحبوا بلادهم وكتبوا كلمات روحها المرهفة ودندنوا أوتار خشبها العتيق وصوت رياحها الدهرية.
أبونا الياس،.. واسمك يترقرق من ذلك الإله الكنعاني العالي، إيل، ولكل سوريّ من كنعانه نصيب.
أبونا الياس،.. أنا مغبوط ومنعم لأنك اخترتني كي أتفيأ سنديانك.. لك فرح الحب.. لجوقة الفرح أماسي بردى وحوره.. للشام روح الكون الساطعة.. أبد الدهر.

دار الأوبرا/الشام/24 أيار 2016.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن