سورية

«مطرقة» الكرد و«سندان» داعش يدفعان أنقرة للسعي لإعادة علاقاتها مع موسكو

| مازن جبور

في خطوة فرضها الواقع السياسي والميداني، أكدت تركيا أنها وروسيا قادرتان على تجاوز خلافاتهما، ودعت إلى إعادة علاقاتهما إلى ما كانت عليه قبل الأزمة السورية عن طريق الحوار، في ما يظهر أن تركيا تلمست الخطر المحدق بها «كردياً» و«داعشياً»، في ظل تدهور في علاقاتها مع واشنطن، وفي وقت يلوح فيه التقارب السعودي الإيراني في الأفق.
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش أمس، في ختام اجتماع الحكومة التركية، وفق ما نقلت وكالة «أ ف ب» الفرنسية للأنباء: «لا اعتقد أن التوتر والمشكلات بيننا لا يمكن تجاوزها أو إصلاحها. أعتقد أن ذلك ممكن إصلاحه عن طريق الحوار». تدهورت العلاقات بين أنقرة وموسكو في تشرين الثاني الماضي بعد إسقاط الجيش التركي طائرة مقاتلة روسية فوق الأراضي السورية. وادعت تركيا حينها أن الطائرة دخلت مجالها الجوي لبضع ثوان.
على إثر ذلك فرضت روسيا عقوبات اقتصادية على أنقرة من ضمنها إيقاف رحلات الطيران بين البلدين وإلغاء العديد من الاتفاقيات التجارية وطلبت موسكو من مواطنيها الامتناع عن زيارة تركيا كسياح، كما فرضت تأشيرات دخول للأتراك الذين يودون دخول موسكو، أما عسكرياً فكان الرد الروسي بإدخال منظومات دفاع جوي متطورة جداً من طراز إس 400 وإس 300 التي تعد الأفضل في العالم وحذرت أنقرة من أن طائراتها ستكون عرضة مباشرة لمنظومة الدفاع الجوي تلك في حال اختراقها للمجال الجوي السوري، الأمر الذي قيد تركيا تماماً عن الاستمرار في خروقاتها الجوية للأجواء السورية. كما ضربت موسكو على الوتر الكردي حيث أعلنت عن نيتها دعم «حزب العمال الكردستاني» وقامت بافتتاح مكتب تمثيلي لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي في موسكو، وتعتبر أنقرة «قوات سورية الديمقراطية» التابعة لـ«الاتحاد الديمقراطي» منظمة «إرهابية» نظراً لأنه يمثل من حسب ادعائها «الذراع السورية» لحزب «العمال الكردستاني».
وأضاف كورتولموش: إن «لا تركيا ولا روسيا تحظيان بترف التخلي إحداهما عن الأخرى».
وتأتي هذه التصريحات بعد أن نقلت وسائل إعلام تركية عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله الأسبوع الماضي: إن «روسيا تريد استئناف العلاقات مع تركيا وإنها تنتظر خطوات ملموسة من أنقرة». وطلب بوتين من أنقرة الاعتذار.
وحاول كورتولموش التبرير لفعلة بلاده في محاولة لتجنب الاعتذار المباشر عن العمل العدواني، كما طلب بوتين، حيث قال كورتولموش في هذا الصدد: «لو أن الطيران التركي علم أنها (طائرة) روسية، لتصرف بشكل مختلف». وأضاف: إن «تركيا لم تسقط الطائرة عمداً».
يتناقض قول كورتولموش مع تصريحات بلاده السابقة التي ادعت أن المقاتلة الروسية تجاوزت المجال الجوي التركي، ورفضت أنقرة الاعتذار لموسكو، بل تبنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العملية ليظهر نفسه بمظهر البطل أمام الشعب التركي ليستفيد من الحادثة انتخابياً.
في الإطار ذاته تبنى وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو لهجة إيجابية مماثلة عبر اقتراحه تشكيل «مجموعة عمل مشتركة» لإعادة العلاقات «يتولى أعضاؤها دراسة الخطوات اللازمة ويقدمون أفكاراً لهذا الغرض».
لكن أردوغان، عاد واتهم روسيا بتسليم أسلحة إلى متمردي «حزب العمال الكردستاني» الذين استأنفوا القتال ضد القوات التركية الصيف الماضي، على ما يبدو أنها لعبة طفولة سياسية يمارسها أردوغان بحثاً عمن يسترضيه.
وقال أردوغان في تصريح نقلته صحيفة «صباح» المقربة من الحكومة التركية: إن «الإرهابيين لديهم اليوم مضادات جوية وصواريخ تسلموها من روسيا». هذه الخطوة التركية قد تفسر استقالة رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو بحجة الخلافات مع أردوغان، إذ يبدو أن حكومة حليف أردوغان، بن علي يلديريم، ستسعى إلى إصلاح العلاقات مع عدد من شركاء تركيا السابقين ومن بينهم روسيا وإسرائيل.
إن المسعى التركي لحل الخلافات مع دول الجوار، وعلى رأسها روسيا الفاعلة في الأزمة السورية، بشكل رئيس ومباشر بعد العملية العسكرية التي ساندت فيها الجيش العربي السوري منذ 30 أيلول العام الماضي، لم يأت من فراغ، بل يرتبط بعدد من التطورات السياسية والميدانية، التي رمت بأنقرة في حفرة ليس أمامها للخروج منها سوى المقامرة المتهورة أو مد يد طلب المسامحة والعفو والمساعدة من موسكو.
فتركيا تعيش حالة من الهلع فرضها تقدم تنظيم داعش المدرج على اللائحة الدولية للتنظيمات الإرهابية في شمال حلب في مدينتي مارع وإعزاز، على حساب التنظيمات المسلحة التي تدعمها تركيا، الأمر الذي تعتبره تهديداً مباشراً لأمنها القومي، خصوصاً بعد صمت مريب بالنسبة لها، من «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن، حيث لم يقم التحالف بالتصدي لتقدم التنظيم نظرا لانشغاله بتأمين الدعم لـ«قوات سورية الديمقراطية» في عملية التقدم باتجاه الرقة لطرد داعش منها، وهو ما عمق الخلاف بين أنقرة وواشنطن، لتأتي حادثة وضع الجنود الأميركيين المشاركين في عملية الرقة لشارات «الديمقراطية»، زيتاً على نار الخلاف مع واشنطن، فاتجهت إلى إعادة العلاقات مع روسيا للضغط على أميركا.
من ثم يبدو أن تركيا رأت نفسها خارج التسوية السياسية للأزمة السورية، بعد أن أعلنت «الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة، عن دراستها للعودة إلى محادثات جنيف بعد توسيع وفدها ليشمل منصات موسكو والقاهرة للمعارضة وقد يشمل ممثلين عن «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي يعتبر مطلباً روسياً.
كما أن هناك قلقاً تركياً من عودة العلاقات بين إيران والسعودية، الذي كان السبب الخفي في زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة إلى المملكة، كما ألمح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماعه مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في موسكو، إلى استعداد بلاده للعب دور في إعادة العلاقات بين الرياض وطهران، ولم يبد حينها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير معارضة، فيما يبدو أنه موافقة ضمنية على ذلك.
بالنظر إلى ما سبق، يبدو أن تركيا وجدت نفسها أمام خيارين إما الموافقة على عرض بوتين والاعتذار لروسيا لإعادة العلاقات معها، أو الدخول في عزلة، في ظل تقييد لها عن التحرك في وقت ينمو الخطر سريعاً على حدودها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن