هل من متغير تركي تجاه دمشق؟
| عبد المنعم علي عيسى
لم تشهد العلاقة الأميركية- التركية منذ خريف العام 2012 فصاعداً يوماً واحداً هانئاً، ولم تكن أي من المحطات التي مرت بها إلا أكثر توتراً من سابقتها في أكثر الحالات، كان ذلك نتاجاً لتطورين مهمين شهدتهما المنطقة أولهما:
توتر العلاقات بين واشنطن والإخوان المسلمين في أعقاب اتهامها لهؤلاء باغتيال السفير الأميركي في بنغازي 11/9/2012 الأمر الذي مثل ضربة قاصمة للمشروع التركي ذي الوقود الإخواني، وثانيهما: تصاعد الخلاف الأميركي- التركي على خلفية التناقض المتصاعد بين الرؤى والمصالح لكلا الطرفين، وهو ما بلغ ذراه القصوى على الساحة السورية التي لم تزل حتى تاريخه تمثل ترمومتراً يشير إلى اتجاه السهم الذي يحدد هبوط أو تصاعد التوتر على طريق واشنطن- أنقرة الوحيد الاتجاه.
في التحالفات وبعد أن تدرس المصالح فإن الأمر الذي يدفع الحليف الأقوى نحو تفعيل تحالفه مع الطرف الأدنى يتمثل في نظرة ذلك الحليف إلى نجاح أو فشل هذا الأخير في ترتيب أوراقه الداخلية- والخارجية على حد سواء، وفي حال جاءت النتيجة جيدة يوصف (ذلك الحليف) بالمفيد وفي حال العكس شكل (ذلك الحليف أيضاً) عبئاً بالمعنى الاستراتيجي للكلمة يحتم على غرف صناعة القرارات وضع لافتة تذكر بذلك التوصيف لدى مفترق طرق سياسي كان أم أي فرع من فروعه المتشعبة.
وفي إسقاط ذلك على حال التحالف الأميركي- التركي الراهن يمكن القول إن واشنطن ترى أن إدارة أنقرة لملفاتها الخارجية والداخلية تكاد تكون في الدرك الأسفل الذي يعني صفر نجاح، الأمر الذي تظهره حالة الارتطام بـ«الحائط» التي تشهدها السياسات التركية وفي أي اتجاه سارت، وليس من الصعب تلمس حالة الإفلاس التركية في سياساتها السورية كما ليس من الصعب أيضاً لحظ جنين للتنافر السعودي- التركي النامي على الأرض السورية والذي كانت حرب الفصائل في الغوطة الشرقية أولى تباشيره، أيضاً هناك العلاقة المتعثرة مع تل أبيب على الرغم من حجم التنازلات الكبيرة التي قدمتها أنقرة للوصول إلى تطبيع العلاقة مع تل أبيب إلا أن هذه الأخيرة تدرك أن ألم اليد التركية الممدودة إليها يسمح بالحصول على تنازلات أكبر وعند هذه النقطة تراوح العلاقة التركية- الإسرائيلية، أما العلاقة مع موسكو فهي وجع الأوجاع التي نجحت صحيفة «ويني شفق» التركية في تصويرها خير تصوير فقد قالت إن أردوغان كان قد تقدم بـ11 طلباً للقاء بوتين قوبلت جميعها بالرفض والعديد منها بالتجاهل وهذا الأخير أمر له العديد من المدلولات السياسية البالغة الأهمية.
أما في الداخل فالقلق قد تخطى حدوده الطبيعية ومشروع أردوغان هو أشبه بمن يريد أن يتلاعب بالبيض والحجر عبر قذفهما في الجو، وبمعنى آخر فقد حسم أردوغان خياراته في مسار أراد لكل شيء فيه أن يتماهى مع شخصه هو وحده تمهيداً لرفع شعار المرحلة المقبلة الذي يقول: «أنا تركيا».
من كل ما سبق فإن واشنطن تبدو مجبرة على الانكفاء عن أنقرة، الأمر الذي ترصده ردات الفعل التركية البالغة التوتر وفي ظل غياب القدرة عن الرد على الطعنة بطعنة أخرى تبدو أنقرة بخيار وحيد هو «الخرمشة» التي تشعر الطرف الآخر بأن القائم بالفعل غير راضٍ عن سلوكه تجاهه، تبدو أنقرة اليوم أكثر احتياجاً إلى إجراء جردة حساب شاملة لعلاقاتها الإقليمية والدولية، ولربما تبدو أيضاً أنها فاعلة وهو ما يمكن قراءته بين ثنايا خروج داؤود أوغلو من الحزب والسلطة إذ لطالما لعب هذا الأخير دور المنظّر الذي يحدد كبرى المسارات وكبرى التوجهات وقد كان يصنف من الصقور فيما يخص الموقف من الأزمة السورية.
الآن من المبكر القول إن هناك تغيراً نوعياً في موقف أنقرة تجاه دمشق فالأمر أعقد من أن يحدده تغيّر في تركيبة السلطة الحاكمة في هذه الأخيرة إلا أنه من الممكن القول إن ذلك التغير قد يكون مؤشراً على حدوث تحوّل دفعت باتجاهه عوامل عدة.