من دفتر الوطن

أسطورة شكسبير

| حسن م. يوسف 

تحتفل بريطانيا والبشرية هذا العام لمناسبة مرور أربعة قرون على رحيل مالئ الدنيا وشاغل الناس وليم شكسبير. (26 نيسان 1564- 23 نيسان 1616)، ولهذه المناسبة أود أن أتوقف عند بحث فريد بسلاسته وعمقه واختلافه، شغل ثلاثين صفحة من القطع الكبير في صدر عدد أيلول 2014 من مجلة «الموقف الأدبي» بقلم رئيس التحرير القاص المبدع مالك صقور. عنوان البحث: «آراء ورأي آخر، شكسبير وتولستوي».
لن أنسى ما حييت ما قاله لنا أستاذ الدراما في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة دمشق: «عندما يقال (الأعظم) فلا بد أن يكون المقصود هو شكسبير». ولهذا لم أجرؤ على أن أصارح أياً من زملائي بأنني لم أستمتع بمسرحية «الملك لير» بقدر ما استمتعت بقراءة مسرحية (اليهودي المالطي) لمنافسه كريستوفر مارلو، وقد عزوت ذلك لذائقتي المتخلفة. وأحسب أنه كان من شأني أن أحتفظ بهذا السر لنفسي إلى آخر حياتي لو لم أقرأ بحث مالك صقور حول رأي تولستوي بشكسبير.
كان تولستوي في الخامسة والسبعين من عمره عندما كتب مقالته عن شكسبير، وهو يقول بوضوح إنه قام بـمحاولات متكررة دائبة لجعل وجهة نظره حول شكسبير تتطابق «مع وجهات نظر كل الناس المثقفين…». كما يعترف أنه قرأ أعمال شكسبير «أكثر من مرة في اللغات الممكنة: الروسية والإنجليزية والألمانية «لكنه في كل مرة كان يعاني «من الإحساس ذاته: النفور والملل والحيرة»!
يرى تولستوي أن المجد الذي يتمتع به شكسبير يرغم الكتاب على تقليده بحيث يقوم أولئك الكتاب بإفساد «المفاهيم الجمالية والأخلاقية للقراء والمشاهدين» ما يرغم هؤلاء على أن «يبحثوا في شكسبير عن مناقب غير موجودة. إن هذا المجد إنما هو شر عظيم، شأنه شأن أي كذب وبهتان».
ما لا شك فيه أن رأي تولستوي هذا ينزل على الرأس كما المطرقة لكن قراءة البحث حتى آخره قد تجعل الكثير من القراء يخرجون منه أقل تمسكاً بوجهات نظرهم.
يستعرض تولستوي أبرز ما كتب عن مسرحية «الملك لير» التي كان شكسبير يعتبرها أفضل أعماله وأقربها إلى قلبه، وكان النقاد، ولا يزالون، يعتبرونها قمة الكمال. ثم يعقد مقارنة بين نص الكاتب المجهول الذي اقتبس شكسبير مسرحيته عنه، ليستنتج أن المأساة القديمة أفضل «من جميع النواحي من تعديل شكسبير لها»! فشكسبير على حد قول تولستوي، « شوَّه شخصية لير، وكذلك شخصية كورديليا»!
كما يرى تولستوي أن شخصيات مسرحية عطيل «أقل طبيعية وحيوية» مما هي عليه في الحكاية الإيطالية التي اقتبس منها شكسبير مسرحيته الشهيرة. ولا تنجو مسرحية «هاملت» التي كتبت عنها مئات الكتب، من اتهامات مشابهة، بل إن تولستوي يقرر بشكل صادم ومفاجئ أن شكسبير «لم يكن فناناً، وأن أعماله ليست أعمالاً فنية». كما يتهمه بمدح القوة وازدراء الطبقة العاملة وعدم الصدق. بل إنه يتحدى مداحي شكسبير بأن يعثروا «على عشرة أسطر متتالية مفهومة وطبيعية تخلق انطباعات فنية خاصة بالشخصية التي تقولها». وينتهي إلى القول إن مجد شكسبير هو واحد من «الإيحاءات الوبائية التي تعرَّض ولا يزال يتعرض الناس لها».
أحسب أن ما دفع تولستوي ابن الخامسة والسبعين لكتابة هذا البحث الحاد المثير للجدل لا علاقة له بعداوة الكار، كما قد يظن بعضهم، إذ ثمة فجوة زمنية بعمق قرنين بين الرجلين، ومن يعرفون تولستوي يقولون إنه كان حراً من نقيصة الحسد، ولم تكن تنقصه الشهرة.
الشيء المؤكد هو أن الإشاعات والتقولات لم تنقطع يوماً حول شكسبير، فهناك كتاب يقولون إن شكسبير هو كريستوفر مالرو، وقد قام المخرج رونالد إيمريش عام 2011 بإخراج فيلم بعنوان «مجهول» خلاصته أن شكسبير لم يكن سوى ممثل عادي وأن أحد النبلاء كان يكتب له المسرحيات لتقدم باسمه، وقد وضع المخرج على ملصق فيلمه السؤال التالي: «هل كان شكسبير خدعةً»؟
الشيء الأكيد هو أن إثارة الأسئلة والتساؤلات حول شخصية وإبداع شكسبير هو جزء من أسطورته التي لا تكف عن النمو أبداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن