ثقافة وفن

هل زوجة الوزير وزير؟

| إسماعيل مروة 

لم يدر محدثي الذي كان يتحدث بعفوية، ويمتدح السيد المسؤول أن مدحه غير صحيح، وأن ما يتحدث به ليس أمراً عادياً، بل يعد تجاوزاً، بل يعد تعدياً على الوطن والمواطن في الوقت نفسه، ولأنه يتحدث ببراءة ربطتُ الخيوط بما سمعته عن المسؤول ذاته وعن غيره من قبل، وما كنت أظنه تجديفاً وتجنياً وجد دليله القاطع، فالمتحدث بسيط، ولا يريد أن ينقل معلومة، بل يريد أن يتحدث عن نفسه وملكاته، ويستشهد بحب المسؤول له واعترافه بعلمه وفضله!
قال لي الصديق «جاء أحدهم إلى مسؤول ما، وهو موجود في سورية، وهو مسؤول في أثناء الحرب على سورية ولكن هذا المسؤول لم يستجب له، ولم يستمع إلى ما يريد، وكرر ذاك الزائر محاولاته، لكن المسؤول لم يستمع له وتابع محدثي الذي لا أريد أن أظلمه وأدعي أنه صديق: لكن جاء كتاب موقع من السيد المسؤول، وحين سألت عنه عرفت أن ذاك الزائر توسط لدى زوجة السيد المسؤول! نعم توسط عندها فكان له ما أراد، ولا أريد أن أتابع القصة حرصاً على الزائر الطيب، الذي لم يدر أنه يتحدث بأمر خطير، فإذا كنت قريباً لزوجة المسؤول، و/أو تنتمي إلى محيطها يمكن أن تقدم طلبك من خلالها، وستجد نتيجة والزيارة الأسرية في أجواء عائلية أقدر على الفعل، وأقدر على إعطاء نتائج جيدة قد لا تحصل عليها من خلال اللقاء الرسمي والسيد المسؤول يتربع كرسيه!
قبل مدة أطلعني أحدهم على قضايا مماثلة، ورفض أن أصورها أو آخذ عنها نسخة، ورفض الإفصاح عن اسم المسؤول فزوجة أحد المسؤولين توقع توصيات لعقود توظيف أو ما شابه، ويتم تنفيذها كما لو أنها صادرة عن السيد المسؤول! علماً بأنني شهدت مسؤولاً يوقع عقد عمل لثلاثة أشهر، ولم يتم تنفيذه لعدم وجود اعتماد، بينما تنفذ توصية من زوجة السيد المسؤول، وهي على وجه الحقيقة لا علاقة لها بالموقع، ولا تحتل مكانة إدارية إلا أنها زوجته الغالية على قلبه، أو التي يريد أن يسترضيها بأي شكل من الأشكال!
وقفت عند هذه القضية ليس لطرافتها وحسب، بل لخطورتها، فلنا أن نتخيل توصيات ابنه وابنته، وأمه وأبيه، وربما توصيات صديقته وأهلها، والحبل يطول بحيث لو فكرنا فيه بشكل علمي، فإن السيد المسؤول سيمضي وقته في منصبه ليقدم خدماته للدائرة الضيقة المحيطة به وبأسرته ومريديه، ناهيك باسترضاء أصدقاء كانوا يساعدونه في النجاح، وأساتذة لهم ذكريات طيبة أو مؤلمة معه!
هذا على صعيد مرئي له علاقة مباشرة بالعمل، ويمكن أن يطلع عليه الناس، ويمكن أن يصل إلى أمثال محدثي الطيب، فماذا عن غير المرئي؟!
بيت لكل ولد من الأولاد! رصيد لا بأس به باسم كل ولد! سيارة للسيدة، وأظن أن السيدة التي تتدخل في عمل زوجها لن تكتفي بسيارة، وسيارة للولد المدلل، وأخرى للبنت، وواحدة غير مرئية لصديقة هنا أو هناك!!
هل لنا أن نتخيل ونحن نخوض حرباً كبيرة على سورية، وحرباً على الاقتصاد والليرة خطورة ما يفعل هذا المسؤول أو ذاك، فمن كان يعجز عن استئجار غرفة في أطراف المدينة صار يملك قصراً، ويمكن أن يقضي أياماً في أبهى الفنادق وأهمها، ومن كان يحمل همّ إعداد أكلة بسيطة كالمجدرة، صار متأنفاً، ولا يضع طعاماً على نار، وإنما يوصي على الطعام من أفخم المحلات في المالكي والمزة وسواها، وحتى لا تنزعج السيدة يأتي بالطعام مع القائمين على الخدمة، فيأكل ولا تتعذب السيدة بغسيل حتى لا تنزعج يداها، وهي التي كانت تجد صعوبة في الحصول على صابونة غار!!
وكنت مع أحدهم حين طلب طعاماً لوليمة يُعدّها لأصدقائه وزوجاتهم، وطلب ما تشتهي الزوجة، وحين استعلم عن الحساب ليرسله، كان المبلغ يعادل مرتبه المعلن، وكلامه كان حاضر حاضر، وحين استغربت الموضوع قال لي: رخيص يا صديقي، فالمئة ألف تعني عشرة آلاف، لا تزال بلدنا أرخص بلد في العالم!
يبدو أنه يتم تقييم مرتبه بالعملة الصعبة، ويتقاضاه بتمامه، لذلك يشعر أن كل شيء لا يزال رخيصاً، وهو يعلم والقارئ يعلم أن مجتهداً يعمل في وظيفتين، وبمرتبين محترمين يعجز عن تلبية متطلبات الأسرة، وخاصة إن كان عنده واحد من أولاده في الجامعة والتعليم على أقل تقدير، وهذا المجتهد مرتبه في عمليه أكبر بكثير من مرتب المسؤول المعلن، فكيف تهيأ له أن يبقى كما هو، في حين المجتهد لا يقدر على المتابعة زحفاً؟!
أحد الوزراء، وهو صديق التقيته على فنجان قهوة في مكتبه، وحين عرضت أن نلتقي على جلسة طويلة، قال لي: يمكن أن نلتقي في بيتي، وحين أبديت استغرابي، تابع: لم أجلس في مكان عام منذ تولي الوزارة لأسباب، منها أنه لا وقت لدي، ومنها أنني لا أتحكم بوقتي، ومنها أنه ولو كنت مدعواً، لا يجوز أن يراني أحد ويظن أنني أفرش هذه الموائد، وهو غير قادر على شيء، عندها لن يصدقني عندما يسمع حديثي..!
قد يكون هذا الصديق مبالغاً في كلامه أو في حذره، ولكنني احترمت هذا الإحساس بالآخر، ولي معه تجارب في قضايا طلبتها منه فاعتذر بلباقة شديدة عن تلبية أي أمر يحتاج إلى استثناء، وقال: إن فتحت هذا الأمر فلن تتوقف الطلبات، وقد تفسد صداقتنا بسبب الطلبات وكثرتها وإحراجاتها!
أقول ربما بالغ، وربما كان هذا من أسلوبه في التهرب من تقديم ما يطلبه أصدقاؤه، ولكنني أتخيل أنه أقفل باباً كبيراً أمام المقربين منه، سواء كان ذلك في الخدمات أو التجاوزات، والامتعاضات البسيطة التي شعرتها ذهبت وبقي الاحترام له ولصداقته.
إن ما وقفت عنده من تصرفات مرفوض في أي حال من الأحوال، لأن الدولة عندما تختار أحداً لموقع مهما كان بسيطاً أو مهما ارتفع، فإنها توقع العقد معه، وليس مع زوجته وأولاده وضيعته ومدينته وأصدقائه وصديقاته، فهي أي الدولة ليست مطالبة بسيارات لأفراد الأسرة، وليست مطالبة بأي شيء، وبالمقابل هو ليس مطالباً بأكثر من جهده وعمله وإخلاصه.. في أي حال مرفوض هذا التصرف، فما عسانا نقول، ونحن في حرب قذرة بكل المعايير على سورية والسوريين؟ ما نقول والفقر والاقتصاد جعل الجرح أكبر، والخطأ أكثر وضوحاً، والتجاوز أكثر قبحاً؟!
كثيرة هي القضايا التي يمكن الحديث عنها، ولكنني اخترت ما لا يتجاوز حدود اللياقة والاحترام، مع أن كثيرين من المتجاوزين لم يضعوا في حسبانهم أي احترام، ولا يعنيهم أي كلام، ويرون ما هم فيه فرصة لا تعوض للسرقة والهبش، وبناء علاقات اجتماعية يمكن استثمارها بعد الخروج من الموقع.
خرج محدثي وهو يقول بصوت مرتفع: فهيم المسؤول أليس كذلك؟ وكنت أهزّ رأسي إيجاباً، وأمام إلحاحه اضطررت للإطراق من كثرة هزّ رأسي بالإيجاب.. وفي إطراقي رأيت القاع الذي يمور بالغضب من مثل هؤلاء… لكنني لم أشأ أن أتابع المشاهدة لخطورتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن