لا لإجراءات حمايتكم للمستهلك
| د. عابد فضلية
عندما يستنفر بعض الجهات الحكومية لحماية المستهلك، فاعلم أن القوة الشرائية للمستهلك هي الضحية. فهناك عشرات الأسباب لارتفاع الأسعار، منها الموضوعية، وأهمها انخفاض قيمة الليرة نتيجة تداعيات الحرب والحصار والعقوبات الاقتصادية، ومنها غير الموضوعية المتمثلة بأربعة أسباب، الأول في ممارسات الاستغلال والاحتكار والفوضى، والثاني بتخلي مؤسسات التجارة الداخلية الحكومية عن دورها الإيجابي، عندما أجّرت نفسها لمستثمري القطاع الخاص.
والسبب غير الموضوعي الثالث لفوضى الأسعار هو عدم تمكن الجهات الحكومية من وضع أسعار رسمية منطقية وعادلة ومقبولة، يمكن الدفاع عن موضوعيتها وفرضها في السوق بقوة القانون، أما السبب الرابع فهو (الحرص) الحكومي الشديد جداً على مصلحة المستهلك، والمتمثل بالعديد من الإجراءات، التي انقلبت نتائج تطبيقها على رأسه.
فترشيد الاستيراد والتقنين بمنح الإجازات اللذان يأتيان في سياق هذا الحرص الحكومي، يتجسدان كما يُقال، بالموافقة فقط على استيراد ما هو ضروري، والمفارقة أن هذا الحرص يؤدي في الواقع إلى تأخير عمليات الاستيراد ورفع تكاليفه، فترتفع نتيجة لذلك الأسعار التي يدفعها المستهلك (المراد حمايته) في السوق التي تشهد احتكاراً وتلاعباً ونقصاً في المواد ذاتها التي تحرص الجهات الحكومية على توفيرها للمواطن، في حين تشهد أسواق السلع الأخرى الكمالية وغير الضرورية التي -بحسب الجهات الحكومية نفسها- لا تتم الموافقة على استيرادها، وفرةً ما بعدها وفرة.
ومن إجراءات الحرص الحكومي الأخرى، الشرط الذي تم فرضه منذ أوائل العام الجاري على المستورد، والمتمثل بوجوب إيداع مؤونة مصرفية بالليرة السورية تعادل قيمة الشحنة المراد استيرادها لتتم الموافقة على منح إجازة الاستيراد، ولا تُسترد هذه المؤونة إلا بعد وصول الشحنة.
ولهذا الشرط وجهان، الأول أنه يرفع إلى الضعف رأس المال اللازم للاستيراد، أي يُضاعف تكلفة تمويل الاستيراد إلى الضعف، والوجه الثاني أنه يحابي كبار المستوردين ويستبعد البقية، في الوقت الذي يتساءل فيه المواطن: من يشجع الاحتكار ويرفع الأسعار؟ ويشتكي فيه صغار التجار من جشع واحتكار كبارهم.
والمفارقة، هي أن شرط المؤونة يستهدف فقط استيراد السلع والمواد الأولية والأساسية والضرورية والغذائية والدوائية (الواردة في قائمتي القرار 703)، والتي تلبي احتياجات المستهلك، وتحتاج إليها الأنشطة الإنتاجية، في حين لا ينطبق هذا الشرط على استيراد بقية أنواع السلع، الأقل أهمية.
والمبرران اللذان ساقتهما الجهات الحكومية التي أقرت وأيدت هذا الشرط، هما تقليص حجم السيولة النقدية بالليرة السورية الموجودة بين أيدي الفعاليات للجم الطلب على الدولار في السوق السوداء، والثاني، لأن استيراد هذه المواد والسلع ستتم تغطيته من المصرف المركزي بدولار الاستيراد المدعوم.
وبدورنا نرى أن هذه المبررات غير فعالة، وشرط المؤونة لن يحقق الغاية المرجوة منه، لأن المستوردين يسعرون مستورداتهم في السوق بسعر دولار السوق السوداء، ويصب الفرق في جيوبهم، فتذهب دولارات المصرف المركزي هباءً منثوراً، دون أن يتحقق هدف حماية المستهلك، وحتى لو أراد المستورد تسعير مستورداته استناداً إلى قيمة الدولار المدعوم، وهذا من شأنه تخفيض تكلفة المستوردات، إلا أن فرض شرط المؤونة يعاكس هذا التخفيض لأنه يسهم في رفع تكلفة هذه المستوردات، فتذهب أهداف المصرف المركزي من تغطيته للاستيراد بدولاره المدعوم.
كلية الاقتصاد جامعة دمشق