تأويل قصة قصيرة جداً
| د. راتب سكر
أنهى عبد الله كتابة قصته الجديدة، ورأى أن يعرضها في مكان مناسب لاطلاع كثيرين، طالبا نصائح الأقرباء والأصدقاء، ليفيد منها في تعديل قصته قبل نشرها، فجاءته الطلبات السريعة الآتية:
1- طلبت منه أمه أن يضع كلمة «حماة» بدلا من «منبج» في عبارته «لولا العجوز بمنبج»، التي استلهمها من شعر أبي فراس الحمداني، كي لا يقول القراء: إنه يحن إلى عجوز غريبة، ولا يفكر بأمه.
2- طلبت منه رفيقة دربه، أن يخفف من سمار بطلة القصة، فقد غدت تشبه الفنانة المصرية «شيرين عبد الوهاب»، ما سيشرع الأبواب أمام القراء لتأويل عواطفه، في اتجاهات شتى، وتجريح الموقف بتأويلاتهم.
3- طلب منه مديره في العمل أن يخفف قليلا من استياء بطل القصة، وتذمره المستمر من إدارة الشركة التي يعمل فيها، تجنبا لتأويلات أصحاب الشأن، وما قد تولده من توجيه أصابع الاتهام لإدارة المؤسسة التي يعمل فيها الكاتب، فضلا عما تولده من شك في مواقفه جملة وتفصيلا.
4- طلب منه صديقه أن يخفف من الحزن المهيمن على القصة، فمن غير اللائق أن يكتب الكاتب قصصا حزينة، وله أصدقاء يغمرونه محبة وحناناً.
طلب منه رئيس القسم الثقافي في الصحيفة التي ينشر فيها، التخفيف من تعبير بطل القصة عن برمه بالحياة، حتى لا يرده النقاد إلى برم الكاتب بأساليب عمل المسؤولين في المحافظة، فتنتقل عدوى هذا الشعور إلى القراء، ما يبتعد بالقصة عن وظيفة الأدب المحددة بتأليف قلوب القراء، بدلا من حثهم على التذمر.
انهالت عليه طلبات لا حصر لها، فشعر أن الأرض تدور حول رأسه الصغيرة، وفجأة قرر ترك كتابة القصص، والعودة إلى كتابة قصائد الشعر الحديث… تنفس الصعداء، فرحا بغموض قصيدته الجديدة، يعيد قراءتها للمرة الثالثة، فيبتسم مستمعوه، مرددين في كل مرة: قصيدة رائعة، لولا بعض غموض فيها، من دون أن يطلب أحد منهم تبديل كلمة من كلماتها.
ضم القصيدة إلى صدره، وقبّل رأسها مبتسما مطمئنا، فرقصت بين يديه، فرحة بظلمة الليل، ستار العيوب، مرتلة في ملاعبه أناشيد تحول الأحزان أفراحا، وماء الأجران خمرا.