ثقافة وفن

المكان البطل الأبرز … «مطر حمص» توثيق إنساني بعيد عن السياسة

| وائل العدس – تصوير: طارق السعدوني

بحضور رسمي وفني وشعبي، افتتح المخرج جود سعيد رابع أفلامه الروائية الطويلة في مجمع سينما سيتي، هكذا أعلن إطلاق العرض الخاص لفيلم «مطر حمص»، سيناريو علي وجيه وجود سعيد، بمشاركة كل من سهى مصطفى وسماح قتال.
شارك في أداء الأدوار كل من: محمد الأحمد، ولمى الحكيم، وحسين عباس، ومحسن عباس، وكرم الشعراني، ويامن سليمان، ونسرين فندي، وهلا بدير، وروجينا رحمون، ورشا بلال، وبشار إسماعيل، وكرستينا شحود، وبيدروس برصوميان وآخرون.
وتشتهر مدينة حمص بالفصول الأربعة مع بعضها أحياناً، واستخدام كلمة المطر في العنوان نوع من الرمزية بكل ما يحمل المطر من دلالات ما ورائية، أما الجانب الشعري للاسم فأتى من رمزية المطر الذي يحمل التفاؤل والحب.

البطل الأبرز
تحضر حمص في أحداث الفيلم، فتجري الأحداث، ويحوط عديداً من الشخصيات الكثير من تفاصيل الحدث السوري الراهن، فيحاصرها بالمكان والزمان، ويصبح المكان البطل الأبرز، بخصوصية الحدث والزمن المحيطين.
رجل وامرأة وأطفال وخوري وغيرهم، شخصيات تعيش هذا الفضاء العبثي في كثير من تفاصيله نحو مصائر محتومة لها، في أجواء من الحب والعنف والأمل.
يرافق الشريط مجموعة من الشخصيات تعيش أزمة حمص القديمة خلال الفترة ما بين شباط وأيار 2014 حين خرج المسلحون.
«يوسف» و«هدى» يحاولان النجاة وخلق الحياة وسط الموت والدمار، برفقة طفلين وعدة شخصيات، حكاية خيالية تستند لواقع الحرب، وتنطلق عبر الزمان والجغرافيا لرواية الأحداث السورية وفق مستويات متعددة، تحتفي بالأمل والحياة والحب، وتحيل على تيمة «الهوية» الحاضرة في كل أفلام المخرج الشاب، منذ «مرة أخرى» (2010) وصولاً إلى «بانتظار الخريف» (2015) ومروراً بـ«صديقي الأخير» (2012).

توثيق إنساني
يرصد الشريط واقعة حصلت في حمص عندما خالف المسلحون الهدنة لإخلاء بعض المدنيين، ليتحدث عن معاناة هؤلاء الناس بعيداً عن الشق السياسي رغم أنه لا يوثق تاريخياً بل إنساني.
حاول جود سعيد ونتيجة الظرف الاستثنائي الذي كان يعيشه المحاصرون إظهار الجانب الإنساني والحياتي أكثر، فهذا الظرف شكّل لدى الكثير من الناس حالات عبثية.
القصة مأخوذة بزمن واقعي لكن أحداثها ليس لها مرجعية حقيقية للأشخاص بل هي أحداث افتراضية كان من الممكن أن تحدث أو لا، لكنها بالتأكيد تروي جزءاً مما حصل بطريقة فنية أكثر مما هي واقعية وحياتية.

على الجانب الآخر
افتقر الشريط إلى وحدة الأسلوب، فتارة يعرض مشهداً واقعياً، ثم ينتقل بمشاهد أخرى إلى السريالية العبثية.
تأثير المكان كان مذهلاً وربما طغى على الحدث ذاته، فكان بكل جدارة البطل الأول، خاصة أن بعض التفاصيل كانت بحاجة إلى التعمق أكثر.
الغريب أن الأحداث أظهرت جنون معظم أبطال الفيلم، بدءاً من المدنيين الذين تم إخلاؤهم ومروراً بالضابط الطيار المتقاعد وانتهاءً بـ«الأب إيليا» في بعض المشاهد رغم محاولة إضفاء الطرافة التي لم تكن بمحلها والمحافظة على الجانب الروحي.
الابتعاد عن المنطق تجلى باستعمال المحاصرين للهواتف النقالة في وقت كانت الكهرباء وأبراج الخليوي معدومة بعدما خرّبها المسلحون.

تنظيم مخجل
ليست المرة الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، فعدد الحضور كان يفوق عدد المقاعد بما يقارب الضعف، ما اضطر كثيرين إلى افتراش الأرض.
المؤسسة العامة للسينما قامت بحجز أمكنة للبعض فقط، فلماذا لم تحجز للجميع ما دامت الدعوات خاصة وشخصية؟.
فنانون كثر أبدوا امتعاضهم من التنظيم الذي وصفوه بـ«المخجل»، مستغربين من أن المؤسسة تتصل بهم وتؤكد ضرورة حضورهم أكثر من مرة، على حين لا تحترمهم ولا تؤمن لهم أدنى المقومات.
هؤلاء الفنانون استغربوا كيف يتم وضع أسماء زملاء معينين على بعض المقاعد لحجزها، بينما يتم تجاهل البقية.

مواجهة الإرهاب
أكد أحمد الأحمد المدير العام للمؤسسة العامة للسينما أن «مطر حمص» فيلم جديد تقدمه المؤسسة ضمن أنشطتها الكثيرة المتنوعة في سنوات الحرب الكونية الظالمة على سورية التي ترد على الإرهاب والقتل والإجرام وقطع الرؤوس وأكل الأكباد بالحب والثقافة والفن والخير والجمال.
وقال: في سنوات الحرب هذه أنتجت وزارة الثقافة أجمل الأفلام والمسرحيات، وقدمت أرقى العروض الموسيقية والحفلات الغنائية، ونظمت أهم معارض الرسم والنحت، وحمت الآثار العظيمة من الجبناء الذين استهدفوها، وطبعت أرقى الكتب والدوريات إيماناً منها بأن الأمم العريقة تزداد عطاءً في أزمان الشدة، وبأن الثقافة هي ما يبقى بعد أن يذهب كل شيء.
وأضاف: الشريط هو عن تداعيات تلك المشاعر المتراكمة المتسربة من ألبوم ذكريات موجعة ألمت بنا وعصفت بوطننا الحبيب. مخيلة الأمس حاضرة، والحكايات محفورة في بؤرة الذاكرة وثنايا القلب، وجود سعيد يطل من سينما الروح، من سينما شغاف القلب وأطلاله المنسية وشرايينه الملونة بخواطر واشتياقات وموسيقا، بقصائد وأحاسيس غامرة، وبأحلام ناعمة ما عادت بمتناول اليد. جود سعيد يحكي عن وطنه الموجوع، لكننا نلمح من شريطه النازف تلك النافذة الواسعة المشرَّعة على دروب الحنين بغد جميل مأمول.
وكشف الأحمد أن المؤسسة ستطلق في الشهور القادمة أفلام «ليليت السورية» لغسان شميط، و«حرائق» لمحمد عبد العزيز، و«الأب» لباسل الخطيب، و«رجل وتابوت وثلاثة أيام» لجود سعيد، وستلحق بها الأفلام الأربعة التي تعمل المؤسسة على إنجازها قبل مضي العام الحالي (2016) وهي «ما ورد» لأحمد ابراهيم أحمد، و«سجن حلب: رد القضاء» لنجدة أنزور، و«طريق النحل» لعبد اللطيف عبد الحميد، و«درب السما» لجود سعيد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن