ثقافة وفن

آليّة للتغيير

| م. غسان كامل ونوس

في الأوقات العاديّة، يمكن أن تكون الآليات التي تسير وفقها المؤسسات في العمل والمراجعة والتقويم، مقبولة، أو ليست رهن المتابعة والرصد كما يجب، وليست هناك حماسة للخوض في مناقشتها، والحثّ على تغييرها؛ ويتم التغاضي عن الكثير من عيوبها ومثالبها؛ لأن الأمور ليست حادة، والبلد ليس في أزمة، والمجاملات والتسويات والصفقات تأخذ أحيازها المنظورة وغير المنظورة، ولا تكون الانتقادات حادة أو مسموعة، وتسود حال العبور بالتراضي، والبقاء للجميع، لا يموت الذئب، ولا يفنى القطيع! على الرغم من أن مثل هذه المفهومات أو السياسات هي التي أدت إلى تفاقم الأمراض، واستشراء الأدواء؛ حتى بدا، أو يبدو، أن الأحوال ساءت إلى درجة نحتاج معها إلى إعادة تخليق. وقد يكون من فضائل الأزمات أنها تكشف مواضع الضعف، وتبيّن أماكن العطب، وتظهر الثقوب التي تسلل منها اللصوص، حتى لو كانت أحياناً فتحات كبيرة ومحروسة ومرصودة، والحفر والكهوف التي اختبأ فيها الأشرار، على الرغم من أن بعضهم قد خرج من بيوت فخمة، أو مراكز ودوائر وأركان معروفة ومكشوفة؛ فيفرض هذا معالجة أو ترميماً، ويجعل من الملحّ القيام بإجراءات تكون في بعض الحالات إسعافية..
وبمراجعة سريعة، تفرضها الحال، على الرغم من أن الأمر يحتاج إلى تأنّ وتمحيص، يظهر أن الآلية التي كانت متّبعة للترميم الذاتي، أو التعويض والتجديد في المؤسسات لم تكن مجدية، وقد أعادت إنتاج العجز والقصور، في كثير من الأحيان، وإن كان ذلك يبدو أنه يجري من خلال إجراءات تنظيمية مناسبة، وممارسة ديمقراطية، إن وجدت!
فلا الرقابة الداخلية قادرة على أن تنأى بنفسها عن الإدارة، لتقوم بدور رقابي فاعل، ولا المؤتمرات الدورية بطريقة تنفيذها، وانتقادها، وضغط أوقاتها، وقصر وقت المتحدثين، مهما علت أصواتهم، واحتدت انتقاداتهم، تسمح بالتصويب أو حتى بالتشذيب الذي كان يُكتفى به، أو يتمّ ردّ التهم بمثلها أو «بأحسن منها»!، وتبقى الأصوات المنتقدة معزولة أو منفردة، ويبقى المدير «ديكاً صيّاحاً في حاكورته وعلى دجاجاته»، مؤيَّداً بالأكثرية الغافلة أو الساهية أو الراضية أو القانطة، أو المقتنعة أن وراء ذلك جنوداً لم يروها، ولا فائدة ولا جدوى!!
ومن الغريب والعجيب أن تبقى مؤسّسات بلا رقابة داخليّة أو خارجيّة، ويبقى الأمر كله بيد مدقّق الحسابات، الذي يقدّم بيانه المحكَم نهاية كلّ عام، مرفقاً بطلب «بسيط» لزيادة أجره السنويّ، والمؤتمِرون خيّرون، وهو يستحقّ!!
وينتهي الأمر بأرقام وجداول، ترفق بالتقارير السنويّة، التي تقدم كلها في وقت المؤتمر، أو قبل انعقاده بقليل؛ لتتمّ قراءتها، ومناقشة كلّ ما فيها بدقائق، قد لا تتجاوز الثلاث، ثم يكون الردّ المفحم بوقت مفتوح، وتتمّ الموافقة على كلّ ذلك من قِبَلِ من بقي إلى آخر النّفَس!!
ويعود الفارس إلى صهوته، غير مكترث بالمرميّ بين الحوافر، أو العاجز، الماشي بتؤدة، أو الشارد، أو المُنقاد بلا حيلة أو وسيلة..
فكيف يمكن لآليّة كهذه أن تقوّم وتصوّب وتجدّد، وتدفع إلى الأمام؟! وكيف يمكن لأداء مثل هذا، أن يُنقّي، ويدعّم، ويصلّب، ويحاسب؟!
ومن الذي سيقوم بهذا، وأين، ومتى؟!
لقد آن الأوان للنظر بجدّيّة إلى هذه الآليّة، والعمل على تغييرها بمراقبة مستمرّة، وخطوات مرافقة، ومفاصل تتيح للمقترحات والتوصيات والانتقادات أن تأخذ أبعادها، وأن يُستمع إليها جيّداً، ويناقَش أصحابها للوصول إلى ما هو أجدى وأصوب.
ما كان مقبولاً، أو مسكوتاً عنه، أو مسقوفاً بعلاقات وأشخاص، لا يمكن أن يبقى بعد كلّ ما شهده الوطن، وما عاناه أبناؤه، وتحمّلوه، وقد صبروا، وصمدوا، ودافعوا، وضحّوا من أجل أن يبقى كريماً مستقلّاً، وأن يعيشوا حياة كريمة تليق بهم، ويستحقّونها بلا أدنى شك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن