ثقافة وفن

الادعاء المزيف..

| د. اسكندر لوقا 

بين ظاهرتي التفوق والفوقية مسافة لا بد أن ترى بالعين المجردة، ذلك لأن التفوق يرتبط، من حيث المبدأ، بإمكانيات الفرد الذاتية، علمية كانت أم أدبية أم مهنيّة. على عكس الفوقية التي هي أكثر رواجا في بعض الأوقات، وغالبا ما تزداد وضوحا عند من يعتقدون أن ذاتهم أكبر حجما مما هي، ويتجاهلون الاعتراف بحقيقة أحجامهم.
ومهما يكن من أمر، فإن الفوقية تبقى ظاهرة لادعاء مزيف وأقرب ما تكون إلى حالة مرضيّة تصيب الإنسان، على عكس التفوق المستند إلى مقومات تبرهن على مصداقيته، وخصوصاً بدليل التواضع لا التعجرف.
في الزمن الراهن، والمنطقة تخوض امتحان تحدي الذات، تدرك سورية جيداً أن مدعي الفوقية هم أقرب الناس معرفة بأحجامهم ومع ذلك يدعون التفوق، فقط لاعتبارات أصبحت معروفة، بينها قدرتهم على فرض حضورهم على الساحة السياسية بقوة المال والنفط لا أكثر، وأحياناً بقوة الانتماء إلى القوى القادرة على تحريك الأمور على الأرض هنا أو هناك.
في هذا السياق، نجد أناسا يدعون القدرة على الفعل وهم عبارة عن أدوات تحركها قوى لا يملكون حيالها سوى الخضوع والسير على الدرب التي خططت لهم ولا يمكنهم أن يحيدوا عنها قيد أنملة.
على هذا النحو نجد بيننا اليوم أناسا يدعون قدرتهم على الفعل وهم لا يملكون أدوات الفعل بقدر ما هم أنفسهم أدوات في أيدي الغير، في أيدي اللاعبين بمصائرهم، شاؤوا أم أبوا في نهاية المطاف. ومن الشواهد على هذه المعادلة، على مستوى الأحداث التي تجري في منطقتنا نجد المصابين بمرض الادعاء، ومنهم- على سبيل المثال– السلطان طيب رجب أردوغان، سليل سلاطين الدولة العثمانية البائدة، وقادة من العربان ينتظرون، وهم جالسون على عروشهم وأيديهم ملطخة بدماء آبائنا وأبنائنا، ينتظرون أن تتحقق أحلامهم الوهمية ببقاء سورية في مربع الخوف والقلق على مستقبلها وهم على مسافات بعيدة وبعيدة جداً عن قراءة تاريخ هذا البلد الذي أعطى البشرية ما لم يعطه لها بلد في العالم على مدى تاريخها المديد. إنه الادعاء الذي مسنده المرض الذي يصيب الإنسان في حالة الهذيان، والهذيان فقط.
يقول الدبلوماسي ورجل السياسة الفرنسي لويس أنطون بوريين «1769-1834»: «إن الادعاء كمبيالة مسحوبة على حبّ الذات لدى الجار الذي يعيدها دوما مقرونة بعبارة لست بحاجة إليها».
كذلك نحن في سورية، في بلد العطاء، لسنا بحاجة إلى كمبيالة تأتينا من هذا الجار أو ذاك فقط لأنها مشفوعة بتوقيع ملك أو أمير أو شيخ، كلّ يبحث لنفسه عن موقع قدم بيننا، نحن السوريين، أصحاب الأرض الطاهرة..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن