ثقافة وفن

المرأة السورية والمؤسسة البرلمانية … أول امرأة في الوطن العربي تترأس البرلمان

| شمس الدين العجلاني

في بادرة هي الأولى في الوطن العربي، مجلس الشعب السوري ينتخب امرأة رئيساً للمجلس..
وتبقى سورية السباقة في كل الأشياء والمسميات، وتبقى منها بداية البدايات.
بالأمس افتتح مجلس الشعب اجتماعاته وبعد أن أدى أعضاء المجلس اليمين الدستوري، رشحت السيدة هدية عباس نفسها لرئاسة مجلس الشعب، وفازت بالتزكية لكونها مرشحاً وحيداً سنداً للنظام الداخلي لمجلس الشعب.
وهذا ليس غريباً على الشعب السوري وعلى ممثلي الشعب حين يجتمعون ويقررون أن تعتلي سدة البرلمان امرأة، أوليس: (كل ما لا يؤنث لا يعول عليه – الشيخ محي الدين بن عربي).
تاريخ الحياة البرلمانية السورية حافل بنضالات المرأة السورية، صحيح أنه تأخر دخول المرأة السورية تحت قبة البرلمان إلى عام 1960 م، ولكن هذا العطاء الكبير للمرأة السورية كان في بداية الحركة التصحيحية وبلغ ذروته الآن حين جلست على سدة البرلمان هدية عباس.

البدايات
منذ بداية الحياة البرلمانية السورية في العصر الحديث عام 1919م، وموضوع مشاركة المرأة السورية تحت قبة البرلمان على بساط البحث، ولكن تأخر مشاركتها في الانتخابات والترشيح إلى نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، ففي عام 1949م منحت المرأة السورية حق الانتخاب، وفي عام 1953م، صدر دستور جديد لسورية وأشار في إحدى مواده إلى أن الناخبين ذكوراً وإناثاً هم المواطنون الذين أتموا الثامنة عشرة من عمرهم في أول كانون الثاني من العام الذي يتم فيه الانتخاب وأن لكل من يحق له الانتخاب أن يرشح نفسه للنيابة على أن يكون في الخامسة والعشرين من عمره وأن يكون متعلماً وكان هذا أول دستور يمنح المرأة حق الترشيح مثلها مثل الرجل تماماً، ولكن لم تصل أي امرأة إلى البرلمان حتى زمن الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 من خلال مجلس الأمة عام 1960 وحصلت امرأتان من أصل 200 عضو من الإقليم الشمالي وهما جيهان الموصلي ووداد الأزهري على عضوية «البرلمان» مجلس الأمة.
بعد الانفصال حصل تراجع في الحقوق السياسية للمرأة التي نالتها في عهد الوحدة فاحتفظت المرأة بموجب الدستور المؤقت بحق الانتخاب دون حق الترشيح الذي جرى حصره بالذكور فقط، وبعد ثورة 8 آذار 1963 عدل الدستور ونصت المادة 33 منه على تعيين أعضاء المجلس الوطني «البرلمان»، وعلى هذا الأساس منحت 8 مقاعد للسيدات من أصل 95 مقعداً في المجلس المشكل عام 1965، وفي عام 1966 وسع المجلس إلى 134 عضواً بينهم 13 سيدة.
بقيت الحياة النيابية السورية معطلة حتى السادس عشر من تشرين الثاني 1970 حين قام الرئيس حافظ الأسد بالحركة التصحيحية فكان مجلس الشعب عام 1971 تعييناً وحظيت المرأة على 4 مقاعد في هذا المجلس ثم تتالت الأدوار التشريعية انتخاباً دون انقطاع أو تعطيل إلى الدور التشريعي الحالي.
كان للمرأة السورية النصيب الكبير تحت قبة البرلمان انتخاباً (وليس وفق بعض الدول العربية فتخضع المرأة لعملية الكوتا وهي شبيهه بالتعيين) منذ عام 1971 إلى يومنا هذا.
لم تصل المرأة السورية إلى هذا الدور المتقدم في المشاركة بالانتخابات إلا بعد معاناة ونضال استمر لسنوات عديدة.. فمنذ زمن المؤتمر السوري الأول عام 1919 يطرح موضوع مشاركة المرأة في البرلمان، واستمر هذا الطرح زمن الانتداب الفرنسي ولكن من دون جدوى، فمرت سورية خلال فترة الانتداب الفرنسي بين عام 1920 وعام 1946 بعدد من المجالس النيابية ولكن المرأة ظلت محرومة ليس فقط من التمثيل في البرلمانات التي قامت طوال فترة وجود الانتداب في سورية، بل لم يتح لها ممارسة حقها في الانتخاب. وكان على المرأة السورية النضال والانتظار حتى فترة الاستقلال لتنال حقها في الانتخاب عام 1949م، ثم في الترشيح عام 1953م.

أول امرأة تترشح للبرلمان السوري
تشير الوثائق البرلمانية إلى أن المرأة السورية ترشحت أكثر من مرة لانتخابات البرلمان، ولكنها لم تستطع أن تنجح في هذه الانتخابات وأن أول امرأة رشحت نفسها للبرلمان هي ثريا الحافظ عام 1953. وثريا من مواليد دمشق عام 1912م، وهي ابنة شهيد السادس من أيار الذي أعدمه المحتل العثماني عام 1916م الميرالاي أركان حرب أمين لطفي الحافظ، وزوجة المجاهد الصحفي منير الريس، درست بدمشق وحصلت على شهادة دار المعلمات بتفوق عام 1928م، عملت في المجال الأهلي والخيري فكانت أمينة سر جمعية خريجات دور المعلمات، ودار كفالة الفتاة، ورئيسة جمعيتي رعاية الجندي، ومنتدى سكينة، وهي من قادت التظاهرة النسائية بدمشق لمواجهة الاستعمار الفرنسي والمؤلفة من أكثر من 100 امرأة وجابت شوارع دمشق دون غطاء للرأس بحماية من بعض الشباب الجامعيين والمثقفين.
وأيضاً من النساء اللاتي رشحن أنفسهن للبرلمان عام 1959م الدكتورة طلعت الرفاعي، وهي في طليعة الشاعرات العربيات، التي وقفت شعرها على النضال والإيمان بالعروبة ودرست الحقوق في الجامعة السورية ثم تخرجت من جامعة السوربون (حائزة دكتوراه في العلوم الاقتصادية والاجتماعية والحقوق الجنائية) وكانت من كبار موظفي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وأول سيدة تشغل منصباً سياسياً رفيعاً بدرجة وزير في الجامعة العربية، وتقول الدكتورة الرفاعـي: (إني أرشح نفسي اليوم للانتخابات ويدفعني إلى ذلك شعور قوي أفاخر به. شعور المرأة العربية، شخصيتها الجريئة، تحملها للجهد، وطنيتها العجيبة، ذكاؤها العجيب، وثقافتها على وجه العموم، الواضح المعالم. وأنا شخصياً فضلت طريق النضال منذ أول عمري كنت أستطيع أن أقبع في بيتي مكتفية بعملي وبما وهبني اللـه، ولكن هذا يعد جبناً وتمرداً على أمتنا التي وهبتنا المعرفة والعلم والرزق، وهبتنا كل شيء، فحق علينا أن نرد دينها بشتى الطرق والألوان). وكانت الدكتورة طلعت الرفاعي قد حولت بيتها الكائن في حي المهاجرين في دمشق إلى ملتقى شعري وأطلقت عليه اسم بيت الشعر والحكمة، وأسست جمعية رابطة الحكمة.
زمن مجلس الشعب
تنامى حضور المرأة السورية تحت قبة البرلمان منذ عام 1971 من امرأتين إلى وإحدى وثلاثين امرأة في الدور الحالي، وخلال الدور التشريعي الثامن «2003-2007» في 9/3/2003 ولأول مرة في تاريخ الحياة البرلمانية في سورية تم انتخاب سيدة في مكتب مجلس الشعب أميناً للسر (السيدة إنعام عباس) عضو المجلس المستقلة عن قطاع العمال والفلاحين من محافظة طرطوس.
وفي الدور التشريعي الثامن أيضاً ‏‏تم انتخاب أول امرأة لرئاسة لجنة الشؤون العربية والخارجية المهندسة هدى الحمصي.. كما كانت المرأة موجودة بقوة في عضوية اللجان البرلمانية وفي رئاسة هذه اللجان، وكذلك في جمعيات الصداقة البرلمانية.
والآن أعلن مجلس الشعب عن قفزة حضارية كبيرة، تؤكد أصالة هذا الشعب وانتمائه الحضاري اللامتناهي، حين انتخب أول امرأة لتتربع على سدة البرلمان السوري في خطوة هي الأولى في الوطن العربي، وتضاهي برلمانات العالم.

أول امرأة على سدة مجلس الشعب

اليوم اعتلت سدة البرلمان السوري امرأة، في بادرة هي الأولى في الوطن العربي، في ظل أنظمة برلمانية في أغلبيتها لا تمت إلى الديمقراطية إلا في الاسم.

الدكتورة هدية خلف عباس

رئيسة مجلس الشعب اليوم، من مواليد محافظة دير الزور عام 1958 وتحمل شهادة دكتوراه في الهندسة الزراعية من جامعة حلب وعملت مدرسة في جامعة الفرات وشغلت مناصب عدة منها عضو في المكتب الإداري للاتحاد الوطني لطلبة سورية لفرع المنطقة الشرقية منذ عام 1978 حتى عام 1983 ثم رئيسة للمكتب الإداري للاتحاد الوطني لطلبة سورية فرع دير الزور الرقة منذ عام 1983 حتى عام 1988 وعضو قيادة فرع دير الزور لحزب البعث العربي الاشتراكي من عام 1988 حتى عام 1998.
وعرفت الدكتورة عباس بمواقفها الإصلاحية داخل الحزب ورفضها للمحسوبيات، انتخبت عضواً في مجلس الشعب لأول مره في الدور التشريعي الثامن (9/3/2003 – 8/3/2007) وكانت خلال هذا الدور في عضوية لجنتي الأمن القومي والزراعة والري، كما كانت عضو جمعية الصداقة البرلمانية السورية الهولندية. ثم انتخبت في الدور التشريعي الحالي، كما كانت عضو مؤتمر قطري.
بقيت الدكتورة عباس طوال فترة الحرب على سورية داخل مدينتها دير الزور رافضة مغادرتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن