من دفتر الوطن

حكمة إلهية

| عبد الفتاح العوض 

من أبدع وأجمل الحِكم القرآنية آية «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»، هذا مبدأ إنساني راق جداً بل هو بالغ السمو الإنساني حيث تقدم لعدوك الإحسان.
وهو من القوانين الإنسانية العامة التي يقوم بها البشر في الحالة المثالية.. أما وأنها آية قرآنية فهي أمر إلهي وليست حكمة من حق المسلم أن يأخذ بها أو يدعها.
الأمر الإلهي واجب التنفيذ عند المسلمين… لكن هل هو ينفذ فعلاً؟؟
في العلوم الإنسانية بشكل عام ثمة أسس عامة في التعامل مع الآخر… لكن هذه الحكمة القرآنية لا تحدثك عن أي آخر بل عن «الذي بينك وبينه عداوة» ففي الحالات العامة ثمة نصائح كثيرة في كيفية التعامل مع الآخر أما مع العدو فليست ثمة إلا طريقة واحدة وهي تبادل العداوة… في حين هذه الحكمة الإلهية أمر بأن تبدأ بالإحسان على العدو وليس بإعلان الحرب عليه؟؟؟
الإسلام السياسي لا يقرأ هذه الآية….. بل يبدأ باستنباط باطل لجعل الأخ عدوا ثم يعلن الحرب عليه… لا يقرأ من القرآن الكريم إلا «قاتلوا» لا قبلها ولا بعدها.
كل الأماكن التي وصل فيها الإسلام السياسي إلى السلطة لم يستطع أن يتعامل مع الأهل بمنطق الإحسان بل تحول إلى جلاد بالفتاوى والتكفير والإقصاء.
ورغم أن هذه الآية واضحة الدلالة وبينة التفسير فإن التخلي عن تنفيذها يبدو واضحاً للعيان أيضاً.. الحكمة هذه تحوي مقدمة ونتيجة بمعنى أنها قانون إذا قدمت الإحسان فإن الآخر يتحول إلى ولي حميم. بالنسبة للحكومة «موالاة من ولي»…!!. من وسائل الإحسان مراسيم العفو والتسويات والمصالحات كلها تقع في الخانة ذاتها.
في حياتنا اليومية تخلى المجتمع أيضاً عن المبادئ القرآنية التي تدعو للإحسان وذهب أبعد من التخلي ليصل إلى التحذير من فعل الخير عندما أصبح «اتق شر من أحسنت إليه» أكثر تطبيقاً من «ادفع بالتي هي أحسن». إذا سألنا مجموعة من الناس ربما الذين يؤمنون بـ«ادفع بالتي هي أحسن» أكثر من الذين يرددون «اتق شر من أحسنت إليه» لكن عند التطبيق ومجمل ما نراه في العلاقات الاجتماعية السائدة نجد قلة أولئك الذين يطبّقون الإحسان على الآخرين ولا أقول إلى الأعداء ففي ذلك حديث مثالي بعيد عنا.
حتى إن تطبيق «ادفع بالتي هي أحسن» ربما يجعلك في نظر المجتمع «مخبولاً» أما أن ينظر إليك المجتمع على أنك ضعيف فهذا مما لا شك فيه أبداً.
آخر ما أريد أن أقوله في هذه الزاوية أن الحِكَم القرآنية أفضل من يعبّر عن الإسلام وبما أننا في أجواء رمضانية فإنها تصل إلى قلوب الناس بطريقة أسرع لكننا نريدها أن تصل إلى أفعالهم وأن تصل أفعالنا إليها.

آخر كلام:
إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو شكراً للقدرة عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن