جيل الأزمة.. الانتماء واللامبالاة…بعضهم لا يشعر بالمسؤولية والآخر يتحملها كاملة
إيمان أبو زينة:
قبل أيام انتهيت من قراءة كتاب ممتع عن الشاعر الصوفي «جلال الدين الرومي»، ووجدت أن دوري «كقارئة ممتازة» أن أتحدث عن الكتاب أمام أكبر عدد من الأشخاص الذين ألتقيهم كي يتمتعوا بقراءته ويستفيدوا من معلوماته، فحاولت تشجيع صديقة لي على قراءته من خلال إيجاز ما استطعت إيجازه من معلومات مشوقة وهامة، في اللحظة التي قاطعت حديثي صبية /20/ عاماً مرت في الغرفة أثناء حديثنا وقالت بجدّية العارف: «جلال الدين الرومي»..؟ آه… أليس هو والد المطربة «ماجدة الرومي»؟
تساءلت بتعجب واستنكار: إذا كانت هذه الصبية لا تعرف من هو «جلال الدين الرومي» فهل ستفهم ماذا يحدث في سورية وما الأزمة التي نعيش بها؟
ومثلي أيضاً يتساءل الكثيرون: ماذا يحدث مع أبناء هذا الجيل، ولماذا؟
بالمقابل «نوار» شاب 22 عاماً يدرس القانون الدولي في إحدى الجامعات العالمية، يشعر أن مهمته ومسؤوليته في عمره الصغير هذا أن يدرس، ويجتهد، و»مازال يصعد دون تهاون حاملا كل الإرث وكل الأمل» كما تقول والدته ليعود ويقدم علمه وعمله لهذا الوطن.
تقول الأخصائية الاجتماعية «إيمان زهراء» المهتمة بالشأن الاجتماعي السوري: في الحقيقة نحن ننتمي إلى جيل يعيش أزمة قد يكون قوامها التربية والتنشئة من جهة، والصراع ما بين تحقيق الذات والحصول على الممتلكات المادية من جهة أخرى، وهذه الصراعات من الممكن أن تؤدي إلى الغضب والإحباط بسبب الاصطدام بالوضع الراهن، إضافة إلى قلة الإمكانات والفرص المتاحة، ما قد ينعكس بسلوكٍ تبدو فيه اللامبالاة هي الأكثر وضوحا عند الأغلبية رغم وجود الكثير من الاستثناءات الإيجابية التي تشبه حالة الشاب «نوار» الذي يدرس القانون، فالذي عايشه الشباب منذ أربع سنوات حتى الآن في ظل الأزمة يمكن أن يتراءى للعيان بصورة ضعف، فلا عجب أن نرى البعض يلجأ إلى الهروب، وكيف لا وهو يعاصر الخلافات اليومية التي يراها بين أمه وأبيه وأصدقائه، أو بين جيرانه، أو أقربائه، أو حتى أساتذته في جوٍ مشحونٍ جرّاء الحرب!!
إن اختلاط المفاهيم والمُثل لدى شباب اليوم بدءا من التربية اليومية إلى التعليم المدرسي وصولا إلى القواعد والمحاظير الاجتماعية التي قد لاتتناسب مع أهوائهم ورغباتهم الشخصية قد تسفر عن اللامبالاة، فنراهم منشغلون عن أهلهم في عالمهم الشخصي تارة، أو في عالم الكومبيوتر والانترنت تارة أخرى ما أدى إلى استياء الأهل لابتعاد الأولاد عنهم، لكن لا يمكن أن نتناسى ابتعاد الأهل بنفس الوقت عن الأولاد بسبب البحث عن لقمة العيش لتأمين مستلزمات واحتياجات الحياة.
السيدة «هدى» أرملة لديها ثلاثة أبناء، أكبرهم يذهب مع أصدقائه بعد عودته من الجامعة ولا تراه في أغلب أوقات اليوم، حيث يقضي وقته مع أصدقائه في المقاهي أو التسكع أمام المحلات، ولا يعود إلا بعد منتصف الليل في وقتٍ يعلم الجميع أنه لم يعد آمناً كما في السابق، والولد الأوسط لا تستطيع فهمه فهو يقضي جلّ وقته على الانترنيت ولا يعرف ماذا يريد أن يأكل، ولا ماذا يرتدي، ولا أين يذهب، وأما الابنة الثالثة فقد باتت تخاف الخروج من البيت، وتعاني من الكوابيس الليلية وخاصة عند سماعها لأصوات القذائف.
تعلق السيدة «زهراء» وتضيف: إن مثل هذه الحالات لابد أن تحفزنا بشكل جدي كمسؤولين وأهالٍ تجاه شبابنا من خلال تهيئة الظروف المناسبة لهم لتحقيق ذاتهم وتفريغ طاقاتهم بما يمكن أن يعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع، لأن ذلك سيكون سدا منيعا لمواجهة أخطار قد تواجهنا جميعا، لذلك لابد أن نكون صبورين ومتفهمين لهم، وأن نستوعب ونحتوي مشاكلهم وأخطاءهم مهما كبرت أو صغرت.
«رامي» يجتمع مع أصدقائه في حارات دمشق القديمة حيث يسكن، ويقول إنه لم يعد يرغب بأحاديث جديدة عن الحرب، والأزمة، ولم يعد قادرا على سماع الأخبار، حتى إنه بات يتقصد إظهار نفسه كشاب سطحي رغم أنه من المتفوقين في سنته الجامعية الثانية في كلية الهندسة الميكانيكية، لكن ذاكرته لم تعد قادرة على استيعاب ما يحدث وخاصة في المناطق المحيطة ببيته، وأصبح يهرب إلى أي مكان لا يضطر فيه للعيش مع القهر والخوف والتمني.
والدة «رامي» تعمل في سلك التعليم وأحبت أن تعطي رأيها فقالت: من الظواهر السلوكية التي نراها في الوقت الراهن الهروب، بمعنى الهروب من تحمل المسؤولية، فبدت وكأنها ظاهرة جديدة، لكني أرى أنها نوع من أنواع التكيف مع الواقع، لذلك يمكن أن نرى أو نسمع عن حالات كثيرة من العصبية، أو العدوانية، أو الاعتكاف الذاتي من خلال عدم الخروج من البيت.
«شادية»، و«منى»، و«سعد»، و«محسن»، مجموعة من المتطوعين الذين ذهبوا إلى مراكز التطوع في مناطق مختلفة من دمشق للوقوف مع صفوف الجيش والأجهزة الأمنية كافة في حربهم ضد الإرهابيين، وقد كانوا جميعاً متحمسين للمشاركة لأنهم كما قال «محسن» 23 عاماً: أنا ألقي اللوم على بعض القادرين، وعلى المقصرين عن التوجه إلى التطوع من أجل أرضنا ووطننا الذي يحتاج لتكاتفنا ومحبتنا لأن الوعي الوطني هو الوعي المطلوب منا كي نصل إلى الأمن والأمان، وهو المطلوب من أجل هذا الوطن الذي قدم لنا الكثير.
أما «منى» 21 عاماً فأضافت: عشت في بيت رباني على حب الوطن، لكني لم أفهم هذا الحب كما ينبغي إلا حين واجهت ذلك، وقد علمني والديّ أن لهذا الوطن حقوقاً يجب عليّ أنا وغيري أن نلتزم بها طالما أننا نعيش على أرضه، ومن أجل هذا أنا مستعدة أن أفديه بروحي الآن وغدا وإلى الأبد.
«فواز» 32 عاماً طالب ماجستير وباحث في علم النفس، قال: نعم، هناك مجموعة لا تنظر إلى الوضع الحالي على أنه أزمة أصلاً لأن ما يشغلهم لا يتعلق إلا ببحثهم عن ذاتهم للتعويض عن عقدة نقص يعيشونها، وهناك أيضاً مجموعة من الشباب اللامبالين الذين ينظرون إلى الوضع الحالي بحالة من عدم التركيز، أو عدم التكيف لأنهم غير مهيئين لما يحدث وخاصة أنهم لم يعاصروا أزمات مشابهة سابقة، لكن ذلك لا ينفي وجود عدد مهم يلجأ للتطوع دفاعا عن الوطن، وبعضهم يلجأ للتطوع لتقديم المساعدة لأهله وعائلته التي فقدت بيتها وممتلكاتها، وحسب العديد من الشبان الواعين والمثقفين الذين ألتقيهم أسمعهم يتساءلون عن الذي يحدث باهتمام شديد، بل يبحثون عن طرق الإرشاد والمساعدة ليكونوا فعالين من أجل تقديم أي مساعدة ممكنة في ظل الظرف الحالي.
الأخصائية الاجتماعية السيدة «زهراء» أنهت حديثها بالقول: هناك فجوة في مفهوم الانتماء الوطني عند الشباب المعاصر، والسبب هو سفر البعض ولجوءهم إلى مدن متفرقة في العالم، ما يعني أن يعيشوا في بيئة جديدة، وأن يتعلموا في بيئة جديدة، ما يعمّق مفاهيم الانتماء الوطني والحسّي عند الشاب السوري المغترب، لذلك يكون انتماؤه ضعيفا وذا انعكاسات سلبية مقارنة مع ما يعيشه الشباب الذي يعيش الحدث، والذي يختلف كليا في مشاعره الوطنية عن الشباب المغترب.
لاشك بأن ما تعيشه سورية أثر في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والنفسية للجيل المعاصر، لذلك فإن تفعيل دور الشباب وبث روح الشعور بالمسؤولية وحب الوطن هي مقدرة، ومسؤولية، وبناء، لأنها جميعاً تعني الانتماء، وتعني «ذاكرة الوطن».