اقتصاد

قوة الليرة من قوة الاقتصاد

| د. عابد فضلية

نعم، ليس السبب الأهم لانخفاض قيمة عملتنا الوطنية قلة الموجودات من عملة الدولار، ولا المضاربة به وعليه، وليست العلة الأساس في تدخل أو عدم تدخل المصرف المركزي في سوق القطع، ولا في إشكالية الآلية التي يتم بها هذا التدخل، وليس تهافت المهربين على استيراد السلع الكمالية سبباً رئيساً، ولا الإضعاف غير المقصود للتصدير ولا عدم الرشد في إجراءات الاستيراد، على رأس الأسباب، بل إن «مشكلة الليرة السورية» بالدرجة الأولى هي التي اختصرها السيد الرئيس في كلمته الأخيرة أمام مجلس الشعب الجديد، والمتمثلة بـ«ضعف الاقتصاد»، التي تعني بوجهها الآخر أن (قوة الليرة من قوة الاقتصاد).
هذا هو سيد الكلام ورأس القول، هذا هو التشخيص الأكثر عمقاً، والأصح استقراءً والأبسط تعبيراً، وعدا ذلك من التشخيصات والأسباب يُعد من الثانويات ومن جزئيات التفاصيل. نعم هذا هو التشخيص الذي كان على السلطات الحكومية النقدية والمالية والمصرفية استيعابه والعمل على أساسه، وهذا ما كان على جميع الجهات الإدارية والإنتاجية والتخطيطية والخدمية السعي إلى معالجته.
ولمن يسأل عن كيفية هذه المعالجة فليكمل قراءة واستقراء بقية ما قاله السيد الرئيس بهذا الخصوص، بأن على «أصحاب المصالح بدء المشاريع وعلى الدولة مساعدتهم في ذلك»، أي إن معالجة ضعف الليرة السورية هو بتقوية وتوسيع القاعدة الاقتصادية، وتحريك عجلة الإنتاج وتسريعها، وخاصةً الإنتاج السلعي الزراعي النباتي والحيواني، والصناعي التحويلي والمهني والحرفي، وعلى الأخص منها أنشطة إنتاج السلع الدوائية والغذائية والنسيجية، التصديرية واللازمة للسوق المحلية، بما فيها منتجات بدائل الاستيراد، وتلك التي تُشكل بينها العناقيد الصناعية والقاطرات التنموية التحريضية، الأمامية والخلفية.
فالاقتصاد السوري بطبيعته، وبناءً على عناصر إنتاجه الأساسية، من أرض ومناخ وموارد ومستلزمات وقوة عمل وخبرة، هو اقتصاد إنتاجي مادي حقيقي سلعي قائم بأساس أساسه على الزراعة، التي تُعد المصدر الرئيس لمدخلات ومستلزمات الصناعة التحويلية السورية العريقة، التي بدورها تموّن الأنشطة الزراعية وتمدها بمستلزماتها، وكلا قطاعي الزراعة والصناعة يحتاج إلى قطاعي التجارة والخدمات، يُشغلهما ويُحرض تطورهما، فيقوى كل قطاع بازدياد قوة الآخر، ومنتجات وخدمات جميع هذه القطاعات والأنشطة تُشكل بينها قاعدة وبنية تحتية وخدماتية لقطاعٍ سياحي نشط ومتطور، يستفيد منها، ويُفيدها، ينهل منها، ويُغدق عليها.
نعم، إن معالجة مشكلة الليرة بتقوية الاقتصاد تعني الزيادة في إنتاج وعرض السلع، أي زيادة في القدرة على التصدير، وتقليل ما يجب استيراده، وتعني بالوقت نفسه توفير فرص عمل جديدة، أي خلق دخول حقيقية لشريحة إضافية من المشتغلين، فيتحسن مستوى معيشة هذه الشريحة، وفي الوقت ذاته ينشط الطلب الفعال بالنسبة نفسها على الأنشطة المادية والخدمية الأخرى. وفي الوقت ذاته فإن الزيادة في إنتاج وعرض السلع تعني الزيادة في عدد وطاقة العارضين، وتعني بالتالي تحريض المنافسة، ما يؤدي إلى استقرار الأسعار أو انخفاضها في القطاعات السلعية، فينخفض معدل التضخم في جميع القطاعات الأخرى، وكل ذلك يعني زيادة مكوّن القيمة المضافة في قيمة الإنتاج الكلي، أي زيادة الناتج المحلي الإجمالي، المؤشر الحقيقي للنمو وتحسن نوعية الحياة. أما الوجه الآخر لزيادة الإنتاج من جهة وبتصنيع بدائل الاستيراد من جهة أخرى، فهو تقليل الطلب على القطع الأجنبي لغاية الاستيراد، وكل ذلك يؤدي (كتحصيل حاصل) إلى تحسن قيمة العملة الوطنية.
بناءً على هذه الحقيقة نتوقع أن يتم العمل الحكومي، وأن يُبنى الفعل والحراك الاقتصادي، نعم، إنها الكيفية السليمة التي تتم بموجبها معالجة مشكلة الليرة السورية.

كلية الاقتصاد/ جامعة دمشق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن