ثقافة وفن

أتمنى على مهرجان دعم سينما الشباب أن يهتم بالشباب الذين دعموا المهرجان … رنا ريشة لـ«الوطن»: «الرابعة بتوقيت الفردوس» خطوة أساسية في حياتي المهنيّة

| عامر فؤاد عامر

حالمة، دائمة البحث باجتهاد عن فرصة تشبه دواخلها، إن كان في الدراما التلفزيونيّة أم في السينما تستثمر فيه طاقاتها ودراستها الأكاديمية. تمتلك وجهاً جميلاً في السينما، وحضوراً لافتاً، وهذا ما كان في فيلم «الرابعة بتوقيت الفردوس»، وفيلم «بانتظار الخريف»، وتعدنا بدورٍ مختلف في فيلم «الحرائق» الجديد، وتحافظ على فكرة الابتعاد عن عمليّات التجميل. لها تجارب متعددة في الدراما التلفزيونية مثل «أرواح عارية»، و«رفّة عين»، وغيرها، لكنها ابتعدت عن العمل في هذا الموسم بقرارٍ شخصي بعد تجربتها الأولى في الولادة. وعن تجربتها العائليّة، والسينمائيّة، ومهرجان دعم سينما الشباب، ومواضيع أخرى تحدثنا الفنانة «رنا ريشة» في هذا الحوار.

هل الالتزام بمشاريع الحياة ومشاغلها يشكل سبباً منطقياً للتغيب عن العمل؟
أقول بكلّ شفافيّة إن مهنة التمثيل تحتاج كمّاً كبيراً من الطاقة، وحضوراً على مدار الوقت، فهي مهنة غير تقليديّة، فيها وقت للتحضير، وآخر للتصوير، وآخر لصقل ما يملكه الممثل، فهي ليست كالمهن التي تتطلب صرف ساعاتٍ معينة في مكان ثم العودة إلى البيت، وهنا تكمن الصعوبة فليس هناك وقت محدد أو مكان ثابت، ولدى الالتفات للحياة العائليّة- مشروع ارتباط إضافة إلى زوج وطفلين- ستتشكل مسؤوليّة جديدة على عاتق الممثل تجاه الأسرة الجديدة التي هي جزء من تكوينها، وهذه حالة من التحدّي. ومن الممكن إيجاد حلّ جزئي للموضوع من خلال الاتكال على مربيّة، ولكن بالنسبة لي شخصيّاً فقد قررت أن يأخذ طفلي الوقت الكامل مني، ومن اهتمامي به، ولاسيما الفترة الأولى من ولادته، فأريد ممارسة واجباتي تجاهه وتجاه زوجي وطفلي، وقررت أن أكون ضمن إطار الأسرة مقابل الابتعاد عن ساحة العمل، فكانت معادلتي هي أن التغيب عن العمل لعدة أشهر لن يخسرني كثيراً مقابل البقاء مع طفلي الجديد خلال هذه المرحلة المهمّة والحسّاسة من عمره، وهنا تكمن مسؤوليّتي، ومكاني الصحيح أكثر، والشكل الطبيعي للحياة بين الأمّ وطفلها، وعموماً أنا مؤمنة بأن المرء لا يتمكن من النجاح في استلامه للكثير من المهام والأعمال فتأتي أشياء على حساب أشياء ونصل لنتيجة من عدم النضوج في نهاية المطاف. لذلك قارنت ما أملكه من معطيات؛ وقررت أن أبقَى في مكاني الطبيعي في هذه المرحلة، فلا شيء أهم من ذلك على صعيد حياة الأنثى، كما أن الأعمال التي عُرضت علي لم تكن خاصّة جداً أو مهمّة بالقدر الكافي ولم تجعلني أفكر فيها، فكانت مرحلة تحمل هدوءاً أكثر من أي مرحلة أخرى في حياتي، ولذلك اعتذرت عن فرص العمل وأنا سعيدة بهذا القرار وراضية، فالأمومة هي أجمل دور تقوم به الأنثى في حياتها.

لكن تشتاقين للعمل حكماً على الرغم من ظروفك ولاسيما أنك أكاديميّة تبحثين عمّا يشبهك كفنانة؟ فهل هناك أذن مصغية اليوم لشوقك وطموحك؟
الطموح كبير جداً لدي ولدى مجموعة كبيرة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحيّة، وأحياناً أفكر بالوضع الحالي الخاصّ بمهنتنا، من ظرف البلد، إلى ظرف الممثل، والعلاقة مع شركات الإنتاج، ووضع المخرجين، والعاملين في الوسط، والقوانين التي يسير فيها العمل الفنّي… إلخ، كلّ ذلك يقود الفنان أحياناً لخيار أن يقلّص طموحه والذهاب لمكان جيد فقط، أو التخلي عن هذا الطموح كليّاً، وتعوّد انتظار الحلم والفرصة بأمل متجدد.
منذ تخرجت في المعهد وإلى هذه اللحظة بقيت الصدمة الأولى حاضرة، فالطاقة والطموح ورغبة الإنجاز كلّها موجودة، ولكن الرغبة في الحياة وفي المال والاستمراريّة تجعل من الفنان قادراً على التنازل التدريجي ليمثّل أدواراً ليست ضمن الجودة التي يراها، ثم تأتي فكرة عدم الاعتذار عن أي دور، فالاعتذار عن التمثيل سيغيب الفنان عن الشاشة والعمل، وبالتالي سيستبعد تدريجيّاً، وهذا الرأي خطير وغير سليم في بلدنا مطلقاً! فطبيعة العمل في بلدنا لا علاقة لها بالتكرار، ولها مقاييس مختلفة جداً، فليس من المهم أن يتعب الفنان ويشتغل، وليس مهمّاً أن يكون حاضراً في كلّ موسم، ولا موهوباً، فهذا غير مهمّ أيضاً، ومن الممكن إقصاء الموهبة في حالاتٍ كثيرة! بالتالي لا يوجد ما يرفع من المعنويات للبناء المستقبلي، فالطريقة التي يتمّ العمل على أساسها اليوم من المخرجين والمنتجين والممثلين لا أثق بها ولا أثق بأنها ستتغير على المدى القريب، لأن المقياس الرائج اليوم ليس ضمن قالب محدد، ولا ضمن قانون محدد في مهنتنا اليوم.

إذاً ما القواعد أو القوانين التي تحكم العمل الفنّي في بلدنا؟
لا قوانين، بل الذي يحكم ويسود هو العشوائيّة في المهنة، وأحياناً نقرأ على الورق أدواراً مكتوبة بمواصفات حددها الكاتب لكن عند العرض تفاجأ بأن من يجسّد الدور شخصيّة لا علاقة لها بتلك المحددات، وبالتالي رغبة المخرج، ورأي المنتج، والأجر الأقل، هي من القواعد التي يمكن استقراؤها في هذا الوسط الفنّي. فلا قانون للعمل في مهنة التمثيل، والواسطة والعلاقات تحكم كلّ شيء والبقاء للأقوى في علاقاته طبعاً. لذلك نصل في النتيجة إلى أن المادة التجارية هي الطاغية.

لكن يبقى هذا مؤقتاً، فصاحب الموهبة حضوره غلاب، وجوهر الموهبة لن يختفي. هل أنت مع هذا الكلام؟
نعم يبقى هذا الكلام حقيقياً، لكن إذا كان لدينا جوهرة وتُركت لوقتٍ ولم تُلمّع ألن تخسر البريق مع مرور الزمن؟! ألن تتغير ألوانها أيضاً؟! بالتالي انتظار عشر سنوات مثلاً ألا يحتاج إلى جهد! ألا يحتاج إلى صبر! فالوضع الراهن يدعو الممثل لأن يصبح كثير الكلام، وكثير العلاقات، ويفرض نفسه في كلّ الأجواء، ويتمتّع بالطرفة، والحنكة، والمقدرة على إضحاك المخرج، وإتقان حركاتٍ بهلوانيّة مُمتعة للمخرج أو المنتج كي يحصد فرصة ما، أو أن يكون صاحب رقصة جميلة في البارات أو مقدرة على الاستعراض القويّ للفت الانتباه، وجذب الأنظار، واستخدام كلّ الوسائل الجسديّة لجذب الفرصة والدور.

هل تابعتِ كلّ الأعمال منذ 5 سنوات مضت؟
إذا لم أتابعها كلّها؛ فيمكنني القول إنني تابعت نصفها، فهناك تشابه كبير بين كل ما يقدمه، والمادة التجارية هي الطاغية اليوم، ولم يجذبني أي دور في المسلسلات التي تابعتها.

يُعنى مهرجان دعم سينما الشباب بالشباب، لكنه يهتم أكثر بأسماء قد لا تكون على علاقة بكلّ عناوين المهرجان؟
في الدورة الأولى للمهرجان كان لدينا مجموعة من أسماء الشباب الطموحين، ولم أرفض أي اتصال من أي شخص أراد أن يقدّم أو يتعلّم أو يستشير، فكانت الحصيلة أن أكون حاضرة في 9 أفلام، مع ملاحظة أنه لا أجور حقيقيّة في هذه المشاركات بل هي من أجل دعمهم والوقوف إلى جانبهم، وفي الدورة الثانية كنت كذلك على رغبة في تشجيعهم وأعتقد أنني معنيّة بالموضوع لكوني ممثلة شابة خريجة في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، ولا بدّ أن أدعم الشباب في محاولاتهم، فهم بحاجة الفرصة، ومن المفروض أن أكون معهم وأقدّم يدّ العون لهم، والنتيجة أن 3 من الأفلام التي شاركت فيها حصدت الجوائز، وأعتقد أن في الدورة الأولى لم يكن هناك من هو مهتم به من نجوم البلد، ولاحظت التغيير في الدّورة الثانية إذ ارتفع منسوب الاهتمام به، أمّا في الدورة الثالثة فقد اعتذرت عن 5 أفلام بسبب ظرفي العائلي، لكن في الدورة الثالثة اختلفت المعايير في الأساس الذي اعتمده المهرجان. كنت أتمنى أن يكون هناك اهتمام أكبر بالممثلين الشبان الذين قدّموا لهذا المهرجان منذ بدايته.
– تكرر حضورك في الأفلام السينمائية فلماذا برأيك؟
يقول أصدقائي إنني «ممثلة السينما» لأني ظهرت في 3 أفلام طويلة، اثنان مع المخرج «محمد عبد العزيز» وآخر مع المخرج «جود سعيد»، إضافة لـ١١ فيلماً قصيراً كدعم لأفلام المنح الخاصّة بالشباب.

هل من الممكن أن تكون سياسة المؤسسة هي الابتعاد عن التكرار في الوجوه؟
ليس هذا هو المقياس في المؤسسة لأن هناك وجوهاً تتكرر دائماً لكن على أرض الواقع تم إنجاز ٦ أفلام سينمائيّة ولم أتلق أي عرض فيها.

قدّمتِ دوراً مهمّاً في فيلم «الرابعة بتوقيت الفردوس»، لكن لم يتمّ تسليط الضوء كفاية على جهدك في هذا الدور؟
أذكر ردّة فعل الناس في مهرجان «وهران» السينمائي عن دوري، وكيف تكلّمت لغة كرديّة، وكيف كان الاختلاف والتباين بيني وبين شخصيّة «ديرسن» في الفيلم. هناك شعرت بالتقدير والاهتمام، وهذا يجعلني متأكدة أن الاهتمام بالسينما عربيّاً أفضل من الاهتمام محليّاً، فتقدّر الجهود هناك، وتُهمل الجهود هنا.
اعتبر هذا الفيلم هو الخطوة الأساسية لرنا ريشة، والذي قدّمني بصورة مهمّة حملت حالة من الرضا، فهو المرحلة الأهمّ في العمل الخاصّ بي، فقدّمني الدّور بصورة جيّدة، ودوري لا كلام زائداً فيه، بل بحاجة لطاقة مكرّسة توضح علامات هذه الشخصيّة التي تحتاج إلى حسّ داخلي قوي، واجتهدت على هذا الدور كثيراً، ولامست الشخصيّة بصدق، وقد واجهت أشخاص أكراداً أبدوا إعجابهم لدرجة أنهم اعتقدوا أنني أنتمي لهذه القوميّة. لكن أيضاً دوري في فيلم «بانتظار الخريف» للمخرج «جود سعيد» من أحبّ المحطات إلى قلبي.

شاهدناكِ في بطولة فيلم «بانتظار الخريف» للمخرج «جود سعيد» لكن بصورة مختلفة تماماً؟
كان لهذا الفيلم تجربة ومنطق مختلفان عما اشتغلته مع المخرج «محمد عبد العزيز»، وهي مرحلة ممتعة في حياتي فخلال 4 أشهر مكثت مع أشخاص جدد وإخراج مختلف للمخرج «جود سعيد» عما اشتغلته في السابق مع مخرجين آخرين، فكانت تجربة جميلة مع أسرة جديدة، وأحببت خلال هذه التجربة أن أقدّم الشخصيّة القويّة «نور»، ابنة ضابط الجيش، لكن هذه الشخصيّة في وقت المواجهة الحقيقيّة تصبح شخصيّة حقيقية تشبه الناس وطيبتهم وتتفاعل لديها المشاعر الإنسانية لتظهر بصورة تشبه الناس بمحبتهم ورقيهم وتعاملهم اللطيف، وكانت تجربة جديدة لي حيث إنها تتحدّث بلهجة سكان المنطقة الساحليّة، ولذلك أخذت مني تركيزاً كبيراً في العمل عليها.

حدثينا عن التجربة في فيلم «الحرائق» للمخرج «محمد عبد العزيز» الذي لم يعرض بعد؟
العمل مع المخرج «محمد عبد العزيز» له شقّان الأول ممتع جداً والآخر متعب جداً، ولا ينفصل الأول عن الثاني، بل التقاطعات حاضرة بينهما، ومرحلة التحضير للعمل هي مرحلة أساسية لديه، ولا بدّ من الاهتمام بالبروفات والتحضير النفسي قبل مرحلة التصوير… في فيلم الحرائق أُصبت أثناء التصوير في رجلي، ووقعت أثناء الجري من شدّة الألم، وتسبّبت الإصابة بتغيبي عن التصوير مدّة من الزمن، لكن أعتقد أن دوري في هذا الفيلم سيقدّم شيئاً جديداً لي في التجربة السينمائيّة.

هل تغارين من زوجك لأن مهنة كلّ منكما ملتزمة بالأخرى؟
لم يسبق أن غرت من ممثلة؛ لكن من زوجي فقد غرت، لأنه يشكّل الشخص الذي يمتلك أشياء أحبّ أن تتوافر لدي أيضاً، «محمد عبد العزيز» شخص غني ثقافيّاً، ومعرفيّاً، وعلميّاً، وإنسانيّاً، فأشعر أنه قدوتي ويتمازج شعوري بين الغيرة وحبّ التعلّم منه.

الحياة مع فنان أمر صعب لأن الفنان يتصف بالمزاج المتقلب والغريب فكيف حين يكون كلاكما فناناً؟
برأي كلّ منّا، الارتباط من شخص من الوسط الفني هو مسألة صعبة وفيها تحدّ، ولكن مزاجيّة الممثل والمخرج تتشابه كثيراً، فكلّ منّا بحاجة للآخر لكي ينجح في مسيرته ومشاريعه.
وأعتقد أن القصة لا علاقة لها بممثلة ومخرج بل لها علاقة بتقبل الآخر، فعندما أكون متصالحة مع فكرة تقبّل هذا الشخص، فهذا يعني أنني سأتحمل مسؤوليّة قراري.

هل من مشاريع جديدة لمسرح الطفل؟
عُرض عليّ أكثر من عرض في هذا المجال؛ ولم أستطع الموافقة عليها لظرفي، ولكن وافقت على عمل مسرحي للأطفال في شهر 11 القادم بعنوان «غابة السناجب» مع المخرجة «ميادة إبراهيم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن