اقتصاد

جيل من «اللا إقراض»؟!

| علي هاشم

تجتاح المرء رغبة جامحة لمعرفة الطريقة التي تقطع بها مصارفنا الحكومية وقت فراغها الطويل هذه الأيام.
الاحتمالات الممكنة تتلخص بتفرغها للتفكر (بالقضايا المصيرية التي تواجه الكوكب) في ظل التبدلات السريعة التي تعصف بأركانه!.. في الواقع، فحتى هذا النوع من الأحاديث المسلية قد يفضي بصاحبه إلى (انتحار الملل) لدى تكراره لخمس سنوات متواصلة، ولربما يحتاج غيابها الاختياري الطويل لكل هذه المدة إلى قضية أعمق كتلك التي تبحث في جنس الملائكة مثلاً!
للأمانة، ثمة فائدة عظيمة ستحصدها البشرية من طراز النقاشات (البيزنطية) تلك، أياً كانت، إلا أننا اليوم بحاجة إلى مصارفنا التي تحتل مكاتبها (خبرات وطنية) فشلت أغلبيتها الساحقة بتقديم ولو قرضاً تنموياً واحداً خلال سني الحرب الاقتصادية التي يحاول طرفها الخارجي استبدال هزائمه العسكرية أمامنا بإنجازات ما في ميدان توازن سوقنا النقدي وتعظيم الخلل في ميزاني تجارتنا ومدفوعاتنا!
مصارفنا بلا إقراض.. ولا يتعلق الأمر بسياسة اقتصادية عامة، بل بفقرها الإبداعي فحسب، فحتى في الأوقات التي لم يطلب منها إبداع في توليف منتج متناسب مع السياسة الاقتصادية العامة، فقد فشلت ذريعاً بالمهمات التي أوكلت إليها، ومنها (القرض التشغيلي اليتيم) الذي نجحت إداراتها في إشغال الأوساط الاقتصادية الوطنية وتعزيز التلاقح الفكري فيما بين أطرافها حول جدوى تسميته بـ(قرض)، تبعا لطريقتها في (دلقه) بالكيفية التي كان لأي عاقل أن يدرك عقمها، قبل أن تستوي على كراسيها لتعاين احتضاره، فلا هي بادرت إلى تقديم بدائل ممكنة، ولا هي تأثرت أصلا بأن أحدا لم يطلب منها ذلك رغم المعطيات المؤكدة عن حاجة السوق إليه؟!
مصارفنا بلا إدارة للأزمات أيضاً.. ففي مقابل (الدراسة الناجحة) التي اجترحتها لاستعادة الديون المتعثرة عبر قوننة حصول إداراتها على (خوات) مقابل المساعدة في جبايتها، فقد أفضى المزيج الفريد لبيروقراطيتها الرعناء وفقرها الإبداعي في إدارة هذا الملف الحساس اقتصاديا، إلى قطع الطريق أمام أي فرصة -راهنة ومستقبلية- لممارسة واجباتها المالية الطبيعية بعدما حولت الديون إلى حجر عثرة تنموية يتطلب التعامل معها قرارات سياسية وسيادية عليا؟!
بطبيعة الحال، لا تتحمل مؤسساتنا المصرفية مسؤولية السياسة الانكماشية المعلنة، إلا أنها، وفي معرض استجاباتها السلبية -إن كان لقصور ذاتي في مرونتها أو كان امتثالاً مرضياً للتعليمات- فقد راكمت لنفسها دوراً إشكاليا يحاكي (تسيير الأعمال)، وولجت حالة من الانكماش الاختياري، لتتحول تلقائياً إلى أبنية فخمة يصفر الخواء في ردهاتها!!
مصارفنا عاطلة عن العمل.. هذه قضيتنا باختصار!، ولأنها ليست (صالونات فكرية)، يخيل للمرء أنها اليوم مجرد (بوفيهات) للشاي و(قرمشة) الحديث حول القصص اللطيفة التي تصادف (خبراتها الوطنية) في يومياتهم الرتيبة!.. تبدلات وظيفية جوهرية تجر معها تساؤلات حول صوابية الاستمرار بتسميتها (مصارف- بنوك..) أو أي شيء من هذا القبيل، إذ حتى كبار السن ممن لا يزالون يحتفظون بذكريات تدعم تسميتها هذه، فما هي إلا أشهر ويمكنها الاحتفال (بعدم الإقراض) لجيل كامل لا يعاصر فيها من ذلك شيئا!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن