الانتخابات البرلمانية التركية: هزيمة الرجل المريض
د. بسام أبو عبد اللـه:
لم تشهد تركيا انتخابات برلمانية أكثر أهمية من تلك التي ستبدأ صباح يوم الأحد السابع من حزيران منذ عام 1950 يوم أقر نظام التعددية الحزبية، والسبب أن أردوغان أراد لهذه الانتخابات أن تكون استفتاءً على طرحه لنقل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ومن ثم فإن النتائج ستكون أيضاً مؤشراً لأردوغان، ولحزبه الذي أصابه (جنون العظمة) كما وصفه الرئيس بشار الأسد ذات يوم في أحد لقاءاته الصحفية.
تشير أغلبية استطلاعات الرأي العام التي أجريت في تركيا إلى أن نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية قد انخفضت بشكل كبير، قياساً بنسبة الـ52% التي حصل عليها رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية صيف عام 2014، أو حتى نسبة الـ50% التي فاز بها الحزب في الانتخابات البرلمانية الماضية قبل أربع سنوات، ويرى المراقبون أن انخفاضاً بنسبة (8-9%) في أصوات الحزب هي كافية لتتسبب في تغيير الحكومة؟ ولكن يطرح هنا البعض سؤالاً: ألم يأت حزب العدالة والتنمية للسلطة في عام 2002 بنسبة 34.3% ومع ذلك فإنه حصل على 365 مقعداً –أي أغلبية ساحقة- وحكم بقوة؟
لتوضيح هذه النقطة المهمة: لا بد من الإشارة هنا إلى أن عدد مقاعد حزب العدالة والتنمية في عام 2002 لم يعكس شعبيته، وإنما فشل الأحزاب الأخرى في تجاوز حاجز الـ10% من الأصوات في عموم تركيا، ما يحول مقاعدها التي حصلت عليها إلى الحزب الأقوى وحسب المناطق، ومن ثم فإن توزع الأصوات، وأداء الأحزاب الأخرى، وعدد الأحزاب التي تتجاوز بنجاح نسبة الـ10% ونسبة المشاركة كلها عوامل تلعب دوراً في تحديد نتيجة الانتخابات.
ويدلل الخبراء الأتراك على ذلك بأن حزب العدالة والتنمية زاد الدعم الانتخابي له في انتخابات عام 2007 إلى 46.6% لكن عدد مقاعده تناقص إلى 341 مقعداً، والسبب أن ثلاثة أحزاب، ومجموعة من المستقلين (أغلبيتهم) أكراد تمكنوا من تجاوز نسبة الحاجز الانتخابي الوطني والمحلي، أما في انتخابات عام 2011 فقد حصل على نسبة 49.8% من الأصوات، ولكن مقاعده بلغت (327) مقعداً أي أقل بـ14 مقعداً عن انتخابات عام 2007.
بمعنى آخر إن انتخابات عام 2002 لم تعكس قوة حزب العدالة والتنمية إنما فشل الأحزاب الأخرى في تجاوز حاجز الـ10%، وهو ما جعله يحصد مقاعد هؤلاء، وهذا أمر لا بد من معرفته قبل الولوج في تقديرات الانتخابات القادمة ذلك أن فهم ذلك أساسي لمعرفة اتجاهات الصراع الانتخابي الحالي في تركيا.
أطلق أردوغان، وداوود أوغلو (الرئيس الافتراضي للحزب – ورئيس الحكومة) شعار الحصول على 400 مقعد بهدف ضمان تعديل الدستور، وتحويل النظام السياسي إلى رئاسي مطلق، ولكن تجري الرياح بما لا يشتهي أردوغان، ذلك أن حزب أردوغان يحتاج كحد أدنى إلى 276 مقعداً من أصل 550 لتشكيل حكومة أقلية، وإلى 330 مقعداً لتحويل التعديل الدستوري للاستفتاء الشعبي، وإلى 367 مقعداً لتعديل الدستور بأغلبية الثلثين، ولكن كل مؤشرات، واستطلاعات الرأي العام تفيد بإمكانية حصوله على (40-42%) من الأصوات والأكثر تفاؤلاً تتحدث عن 46% أي (253 مقعداً) وهي ليست كافية لتشكيل حكومة، ومن هنا فإن أردوغان يشعر بالقلق والاضطراب، ويقود بنفسه حملة انتخابية موازية مع تلك التي يقودها داوود أوغلو على الرغم من أنه يخالف بذلك الدستور الذي يفرض على الرئيس الحياد بين الأحزاب وعدم التدخل في الانتخابات البرلمانية.
ما يزيد من شعور أردوغان بالقلق هو دخول حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الانتخابات كحزب، وليس كمرشحين مستقلين كما فعل الأكراد في انتخابات عام 2007، وهو ما يعني أنه يجب أن يتجاوز حاجز الـ10% الذي تحدثنا عنه أعلاه، ومن ثم إن حدث ذلك- وهو متوقع فإنه سيعني حصول الحزب الكردي على (60-70 مقعداً) كانت عادة تذهب لحزب أردوغان، أو يحصل على جزء منها، ولهذا فإن (بيض القبان) في هذه الانتخابات هو (الحزب الكردي) الذي عمل أردوغان بكل قواه على مهاجمته بكل الطرق المشروعة، وغير المشروعة لتثبيط همته، ومنع ذهاب أصوات الأكراد له، وهو ما يعني خسارة كبيرة له.
ومن هنا فإن أمل أردوغان الوحيد هو فشل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في تجاوز حاجز الـ10%، فتذهب في هذه الحالة مقاعده إلى حزب العدالة والتنمية، ومع كل ذلك لن توصل هذه المقاعد أردوغان للتمكن من تعديل الدستور.
إذاً هذا هو واقع الصراع الانتخابي واحتمالاته، أما الأحزاب الأخرى فإن حزب الشعب الجمهوري قد يحصل على (26%)، وهو يطمح لـ30% أما حزب الحركة القومية فتشير التقديرات إلى ما بين (15-18%)، ومن ثم فإن دخول المزيد من الأحزاب، والشخصيات المستقلة في البرلمان سوف يضعف فرص حزب أردوغان الذي يحتاج في مثل هذه الحالة إلى معجزة كي يتمكن من الوصول للأهداف التي أعلنها، والتي يشير المنطق الرياضي إلى استحالتها تماماً. ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا رفع أردوغان (القرآن) في أحد المهرجانات الانتخابية؟ ولماذا استغل ذكرى ما يسمى (فتح إسطنبول) للحديث عن الانتخابات وجلب حتى المهجرين السوريين بعد تسديد مبلغ (100 ليرة تركية) لكل منهم بهدف إظهار قوته الجماهيرية، ويبدو واضحاً للكثيرين أن إدراكه لهزيمته المحتملة في الانتخابات جعلته يصاب بنوبات جنون حقيقية حيث وصل به الأمر مهاجمة الصحافة التركية، والغربية ، سجن الصحفيين، والسب، والقدح، والذم، واستخدام ألفاظ نابية لا تليق بمقام رئيس للجمهورية الأمر الذي اضطر أحد زعماء الأحزاب السياسية التركية الكبرى (دولت بهتشلي) للقول إن أردوغان أصبح (حالة سريرية للدراسة)، متسائلاً إذا ما كان بكامل (صحته العقلية) موجهاً كلامه له بالقول: (أي نوع من الرجال أنت؟ فالإسلام والقرآن يعاقبان على الكذب، والافتراء؟ وفقط شيطان من يستطيع أن يفعل ما تقوم به؟).
وترافق ذلك مع إعلان زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو أن حكومة (العدالة والتنمية) مسؤولة بشكل مباشر عن دماء كل السوريين الذين راحوا ضحية الحرب الدائرة في سورية، متهماً الحكومة التركية بالتحالف مع قطر والسعودية لتدمير سورية، وقتل شعبها عبر دعم الجماعات الإرهابية، مشيراً إلى أن ما حصل جاء انطلاقاً من مقولات، وسياسات طائفية، ومذهبية، متسائلاً: (عن أي إسلام يتحدثون في وقت تدمر به العصابات الإرهابية المساجد والأضرحة؟)، ولاقى صلاح الدين ديميرطاش الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي كلام كيليتشدار أوغلو متوعداً بمحاسبة أردوغان، وداوود أوغلو عن كل أفعالهما في سورية، ومحملاً إياهما مسؤولية ما وصلت إليه الأمور فيها من قتل، ودمار.
وإذا كانت أغلبية زعماء الأحزاب السياسية التركية يصفون أردوغان بهذه الأوصاف، فهل ستكون نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة أول صفعة قوية على وجه هذا الرجل المريض حسب وصف (دولت بهتشلي) زعيم حزب الحركة القومية، وبداية الهزيمة لمجرم يجب أن يدفع ثمن ما اقترفته يداه من جرائم بحق الشعب السوري، وشعوب المنطقة؟ لننتظر ونر.